للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تخالف رواية البخاريّ، وترجيحُ روايةِ: "بضع وسبعون"؛ لكونها زيادةَ ثقة؛ كما ذكره الْحَلِيمِيّ، ثم عياض، لا يستقيم، إذ الذي زادها لم يستمرّ على الجزم بها، لا سيما مع اتحاد الْمَخرَج، وبهذا يتبين شفوف نظر البخاريّ، وقد رجّح ابن الصلاح الأقل؛ لكونه الْمُتَيَقَّنَ. انتهى ما ذكره في "الفتح" (١).

وقوله: (شُعْبَةً) - بضمّ الشين المعجمة، وسكون العين المهملة - منصوب على التمييز، أي خصلةً، يعني أن الإيمان ذو خصال متعدّدة.

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: "الشُّعبة" أصلها القِطعة من الشيء، والفِرقة منه، ومنه شَعْبُ الإناء، وشُعُوب القبائل، وشُعَبُها الأربع، وواحد شُعُوب القبائل شَعْبٌ بالفتح، وقيل: بالكسر، وهم القبائل العظام، وشَعْبُ الإناء: صَدْعه بالفتح، ومنه قوله في حديث أنسّ - رضي الله عنه - عند البخاريّ: "أن قدح النبيّ - صلى الله عليه وسلم - انكسر، فاتّخذ مكان الشَّعْب سِلْسِلَة من فضّة"، وقال الخليل: الشَّعْبُ: الاجتماع، والشَّعْبُ: الافتراق، قال الهرويّ: هو من الأضداد، وقال ابن دُريد: ليس كذلك، ولكنّها لغة لقوم. انتهى (٢).

ووقع عند الترمذيّ، وابن ماجه بلفظ "بَابًا" بدل "شُعْبةً"، أي نوعًا.

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: مقصود هذا الحديث أن الأعمال الشرعيّة تُسمّى إيمانًا على ما ذكرناه آنفًا، وأنها منحصرة في ذلك العدد، غير أن الشرع لم يُعيّن ذلك العدد لنا، ولا فصّله، وقد تكلّف بعض المتأخّرين تعديد ذلك، فتصفّح خصال الشريعة، وعدّدها، حتى انتهى بها في زعمه إلى ذلك العدد، ولا يصحّ له ذلك؛ لأنه يمكن الزيادة على ما ذكر، والنقصان مما ذكر ببيان التداخل، والصحيح ما صار إليه أبو سليمان الخطّابيّ وغيره: أنها منحصرة في علم الله تعالى، وعلم رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وموجودةٌ في الشريعة مفصّلةٌ فيها، غير أن الشرع لم يوقفنا على أشخاص تلك الأبواب، ولا عَيَّنَ لنا عَدَدَها، ولا كيفيّة انقسامها، وذلك لا يضرّنا في علمنا بتفاصيل ما كُلّفنا به من شريعتنا، ولا في عملنا، إذ كلّ ذلك مفصّلٌ مبيّنٌ في جملة الشريعة، فما أُمرنا بالعمل به عملناه، وما نُهينا عنه انتهينا، وإن لم نُحط بحصر أعداد ذلك. والله تعالى أعلم. انتهى


(١) راجع: "الفتح" ١/ ٧٥.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ٢٦٤ - ٢٦٥.