٦ - (مَسْرُوق) بن الأجدع بن مالك الْهَمْدانيّ الوادعيّ، أبو عائشة الكوفيّ، ثقةٌ فقيهٌ عابد مخضرم [٢](ت ٢ أو ٦٣)(ع) تقدم في "الإيمان" ٢٧/ ٢١٧.
شرح الحديث:
(عَنْ عَائِشَةَ) -رضي اللَّه عنها- أنها (قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ) تثنية عَجُوز، ووقع في رواية النسائيّ:"عجوزتان" بتاء التأنيث، والأول هو المشهور عند اللغويين، قال ابن السكّيت: الْعَجُوز: المرأة المسنّة، ولا يؤنّث بالهاء.
والثانية أيضًا جائزة عند بعض اللغويين، فقد قال ابن الأنباريّ: ويقال أيضًا: عَجوزة بالهاء، لتحقيق التأنيث، ورُوي عن يونس أنه قال: سمعت العرب، تقول: عَجُوزة بالهاء. قاله في "المصباح".
وقولها:(مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ) -بضم العين المهملة، والجيم، بعدها زاي-: جمع عَجُوز، مثل عَمُود، وعُمُد، ويجمع أيضًا على عجائز (فَقَالَتَا: إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ) والظاهر أنهما أخذتا هذا من أحبار اليهود (قَالَتْ) عائشة -رضي اللَّه عنها- (فَكَذَّبْتُهُمَا) ظنًّا منها أن هذا مما كذبه اليهود (وَلَمْ أُنْعِمْ) بضم الهمزة، وإسكان النون، وكسر العين المهملة، من الإنعام، رباعيًّا، يقال: أنعمتُ له -بالألف-: إذا قلتَ له: نَعَم، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي لم تَطِبْ نفسي أن أُصدّقهما، ومنه قولهم في التصديق: نَعَم، وقولها:(أَنْ أُصَدِّقَهُمَا)"أن" مصدريّةٌ، والمصدر المؤوّل مفعول به لـ "أُنْعِم"، والمراد أنها لم تصدّقهما أوّلًا؛ لظهور كذب اليهود، وافتراءاتهم في الدين، وتحريفهم الكتاب، كما أخبر اللَّه تعالى بذلك، فقال:{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}[النساء: ٤٦]، وقال:{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ}[آل عمران: ٧٨] الآية.
(فَخَرَجَتَا) أي العجوزان من البيت (وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَجُوزَيْنِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ دَخَلَتَا عَلَيَّ، فَزَعَمَتَا) أي قالتا، وقد تقدّم أن زعم أكثر ما يُستعمل فيما كان باطلًا، أو فيه ارتياب، وهو هنا كذلك، بناء على ظنّ عائشة -رضي اللَّه عنها- (أَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ) بالبناء للمفعول (فِي قُبُورِهِمْ، فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("صَدَقَتَا) ظاهر هذا أن هذه الواقعة غير الواقعة السابقة؛