قال عياض: واستعمالها في العرف لكشف ما يُكره. انتهى. وتُطلَق على القتل، والإحراق، والنميمة، وغير ذلك.
و"المحيا" بالقصر مَفْعَل من الحياة، كالْمَمَات من الموت، والمراد: الحياة والموت، ويَحْتَمِل أن يريد زمان ذلك، ويريد بذلك مِحنة الدنيا وما بعدها، ويَحْتَمِل أن يريد بذلك حالة الاحتضار، وحالة المسألة في القبر، وكأنه استعاذ من فتنة هذين المقامين، وسأل التثبيت فيهما. قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
وقال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فتنة المحيا ما يَعرِض للإنسان مدّة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها -والعياذ باللَّه- أمر الخاتمة عند الموت، وفتنة الممات يجوز أن يُراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه، ويكون المراد بفتنة المحيا على هذا ما قبل ذلك، ويجوز أن بها فتنة القبر، وقد صحّ -يعني في حديث أسماء الآتي في "الكسوف": "ولأنه قد أُوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور قريبًا، أو مثل فتنة المسيح الدجّال"، ولا يكون مع هذا الوجه متكرّرًا مع قوله:"عذاب القبر"؛ لأن العذاب مترتب عن الفتنة، والسبب غير المسبب.
وقيل: أراد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر، وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الْحَيْرة، وهذا من العامّ بعد الخاصّ؛ لأن عذاب القبر داخل تحت فتنة الممات، وفتنة الدجّال داخلة تحت فتنة المحيا.
وأخرج الحكيم الترمذيّ في "نوادر الأصول" عن سفيان الثوريّ أن الميت إذا سئل "من ربّك" تراءى له الشيطان، فيُشير إلى نفسه إنّي أنا ربّك، فلهذا ورد سؤال التثبيت له حين يسأل، ثمّ أخرج بسند جيّد إلى عمرو بن مرّة:"كانوا يستحبّون إذا وُضع الميت في القبر أن يقولوا: اللَّهم أعذه من الشيطان"، قاله في "الفتح".
(وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ") قيل: أَخَّره؛ لأنه إنما يقع في آخر الزمان قربَ الساعة.
قال القاري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قيل: له شرّ وخير، فخيره أن يزداد المؤمن إيمانًا، ويقرأ ما هو مكتوب بين عينيه، من أنه كافر، فيزداد إيمانًا، وشرّه أن لا يقرأه الكافر، ولا يعلمه. انتهى.