للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لتأكيد اهتمامه -صلى اللَّه عليه وسلم- بتعليم هذا الدعاء لأمته، وتأكّد التعوذ به، والحثّ الشديد عليه (يَقُولُ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("قُولُوا) هذا أمر بقول هذا الدعاء، وظاهر الأمر للوجوب، واليه ذهب طاوس، حيث أمر ابنه بإعادة الصلاة حين لم يدع به، وإليه ذهب ابن حزم، وذهب الجمهور إلى استحبابه، والأول هو الظاهر؛ لأنه لا صارف للأمر (اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ) فيه إشارة إلى أنه لا مخلص من عذابها إلا بالالتجاء إلى خالقها (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) أي على تقدير لُقيّه (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ") هذا تعميم بعد تخصيص، وكرّر "أعوذ" في كلّ واحدة؛ إظهارًا لعظم موقعها، وأنها حقيقة بإعاذة مستقلّة.

(قَالَ مُسْلِم بْن الْحَجَّاج) صاحب الكتاب: (بَلَغَنِي) قال صاحب "التنبيه": لا أدري من بلّغه (١). (أَنَّ طَاوُسًا قَالَ لِابْنِهِ) يَحتمل أن يكون هو عبد اللَّه بن طاوس، أو غيره (أَدَعَوْتَ بِهَا) وفي بعض النسخ: "دعوت بها؟ " بحذف همزة الاستفهام، أي هل دعوت بهذه الدعوات (فِي صَلَاتِكَ؟، فَقَالَ) ابنه (لَا) أي لم أدع بها (قَالَ) طاوس لابنه (أَعِدْ صَلَاتِكَ) أي لتركك ما أُمرت به، وهي الدعوات المذكورة، ثم سبب أمره بإعادة صلاته، فقال: (لِأَنَّ طَاوُسًا) فيه التفات؛ إذ الظاهر أن يقول: لأنّي رويته (رَوَاهُ) أي نقله (عَنْ ثَلَاثَةٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ كَمَا قَالَ) "أو" للشكّ من الراوي.

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ظاهر كلام طاوس: أنه حَمَل الأمر به على الوجوب، فأوجب إعادة الصلاة لفواته، وجمهور العلماء على أنه مستحبّ، ليس بواجب، ولعلّ طاوسًا أراد تأديب ابنه، وتأكيد هذا الدعاء عنده، لا أنه يعتقد وجوبه. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الحقّ ما قاله القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إن طاوسًا يرى الوجوب، وعبارته في "الإكمال": وقولُ طاوس لابنه -إذ لم يتعوّذ كما علّمهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك-: أَعِدْ صلاتك، يدلّ أنه حَمَل أمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك، وبقوله: "عُوذُوا باللَّه" على الوجوب. انتهى (٢).


(١) "تنبيه المعلم" (ص ١٤٢).
(٢) راجع: "الإكمال" ٢/ ٥٤٠ - ٥٤١.