الذكر على الجهاد وغيره- حديث الذي سأل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عما يعادل الجهاد؟ فقال:"هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولا تُفطر، وتقوم فلا تفتر. . . " الحديث المشهور؛ لأن هذا السائل سأل عن عمل يعمله في مدّة جهاد المجاهد من حين خروجه من بيته إلى قُدومه، فليس يُعْدَل ذلك بشيء غير ما ذُكر، والفقراء دلّهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على عمل يستصحبونه في مدّة عمرهم، وهو ذكر اللَّه الكثير في أدبار الصلوت، وهذا أفضل من جهاد يَقع في بعض الأحيان يُنفق صاحبه فيه ماله.
فالناس منقسمون ثلاثة أقسام:
أهل الذكر يدومون عليه إلى انقضاء أجلهم.
وأهل جهاد يُجاهدون، وليس لهم مثل ذلك الذكر، فالأولون أفضل من هؤلاء.
وقوم يَجمعون بين الذكر والجهاد، فهؤلاء أفضل الناس.
ولهذا لَمّا سمع الأغنياء الذين كانوا يحجّون، ويَعتمرون، ويُجاهدون، ويتصدّقون بما عَلَّم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الفقراء من ذلك عَمِلوا به، فصاروا أفضل من الفقراء حينئذ، ولهذا لَمّا سألوا النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك؟ قال:"ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء".
ومن زعم من الصوفيّة أنه أراد أن الفقر فضل اللَّه، فقد أخطأ، وقال ما لا يعلم. انتهى كلام ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في التفضيل بين الغنى والفقر:
قال ابن بطاّل، عن المهلّب رحمهما اللَّه: في هذا الحديث فضل الغنى نصًّا لا تأويلًا، إذا استوت أعمال الغني والفقير، فيما افترض اللَّه عليهما، فللغنيّ حينئذ فضل عمل البرّ من الصدقة ونحوها مما لا سبيل للفقير إليه. قال: ورأيت بعض المتكلّمين ذهب إلى أن هذا الفضل يخصّ الفقراء دون