للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

غيرهم، أي الفضل المرتّب على الذكر المذكور، وغفل عن قوله في نفس الحديث: "إلا من صنع مثل ما صنعتم"، فجعل الفضل لقائله كائنًا من كان.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: استدلّ بهذا الحديث من يُفضّل الغنى على الفقر، وهي مسألة اختُلِف فيها على خمسة أقوال: فمن قائل بتفضيل الغنى، ومن قائل بتفضيل الفقر، ومن قائل بتفضيل الكَفَاف، ومن قائل رابع بردّ هذا التفضيل إلى اعتبار أحوال الناس في ذلك، ومن قائل خامس توقّف، ولم يفضّل واحدًا منهما على الآخر، والمسألة لها غَوْرٌ، وفيها أحاديث متعارضة.

قال: والذي يظهر لي أن الأفضل من ذلك ما اختاره اللَّه تعالى لنبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولجمهور أصحابه -رضي اللَّه عنهم-، وهو الفقر غير المدقع.

قال: وتأوّل بعضهم قوله: "ذلك فضل اللَّه يؤتيه" بأن قال: الإشارة راجعة إلى الثواب المرتّب على العمل الذي يحصل به التفضيل عند اللَّه، فكأنه قال: ذاك الثواب الذي أخبرتكم به لا يستحقّه أحد بحسب الذكر، ولا بحسب الصدقة، وإنما هو بفضل اللَّه (١).

قال: وهذا التأويل فيه بُعدٌ، ولكن اضطرّه إليه ما يعارضه (٢).

وتُعقب بأن الجمع بينه وبين ما يُعارضه ممكن من غير احتياج إلى التعسف.

وقال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ظاهر الحديث القريبُ من النصّ أنه فَضَّلَ الأغنياء بزيادة القربات المالية، وبعض الناس تأول قولَه: "ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء" بتأويل مُستكرَه، يخرجه عما ذكرناه، كأنه يشير إلى ما تقدّم.

قال: والذي يقتضيه الأصل أنهما إن تساويا، وفضّلت العبادات المالية أنه يكون الغنيّ أفضل، ولا شكّ في ذلك، وإنما النظر إذا تساويا في أداء الواجب فقط، وانفرد كلّ منهما بمصلحة ما هو فيه، وإذا كانت المصالح متقابلة، ففي ذلك نظر، يرجع إلى تفسير الأفضل، فإن فُسّر بزيادة الثواب،


(١) "المفهم" ٢/ ٢١٣ - ٢١٤.
(٢) قوله "وهذا التأويل إلخ" هكذا عزاه في "الفتح" إلى القرطبيّ، ولم أره في "المفهم"، ولعله لاختلاف النسخ، واللَّه تعالى أعلم.