للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدّية أفضل من القاصرة، وإن كان الأفضل بمعنى الأشرف بالنسبة إلى صفات النفس، فالذي يحصل لها من التطهير بسبب الفقر أشرف، فيترجّح الفقراء.

ومن ثَمَّ ذهب جمهور الصوفيّة إلى ترجيح الفقير الصابر.

وقال الكرمانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قضية الحديث أن شكوى الفقر تبقى بحالها، وأجاب بأن مقصودهم كان تحصيل الدرجات العُلَى، والنعيم المقيم لهم أيضًا، لا نفي الزيادة عن أهل الدثور مطلقًا. اهـ.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والذي يظهر أن مقصودهم إنما كان طلب المساواة، وطهر أن الجواب وقع قبل أن يَعلَم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن متمنّي الشيء يكون شريكًا لفاعله في الأجر، كما ثبت في حديث الترمذيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١) بأن المنفق والمتمنّي إذا كان صادق النية في الأجر سواء، وكذا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من سنّ سنّة حسنة، فله أجرها وأجر من يعمل بها من غير أن ينقص من أجره شيئًا"، فإن الفقراء في هذه القصّة كانوا السبب في تعلّم الأغنياء الذكر المذكور، فإذا استووا معهم في قوله، امتاز الفقراء بأجر السبب، مضافًا إلى التمنّي، فلعل ذلك يقاوم التقرّب بالمال، وتبقى المقايسة بين صبر الفقير على شَظَف العيش، وشكر الغنيّ على


(١) هو ما أخرجه الترمذيّ في "جامعه" عن أبي كبشة الأنماري -رضي اللَّه عنه- أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ثلاثة أُقسم عليهنّ، وأحدِّثكم حديثًا فاحفظوه -قال-: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظُلم عبد مظلمة فصبر عليها، إلا زاده اللَّه عزًّا، ولا فتح عبد باب مسألة، إلا فتح اللَّه عليه باب فقر -أو كلمة نحوها- وأحدثكم حديثًا فاحفظوه -قال-: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه اللَّه مالًا وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويَصِلُ فيه رحمه، ويَعْلَم للَّه فيه حقًّا فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه اللَّه علمًا، ولم يرزقه مالًا، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان، فهو بنيّته، فأجرهما سواءٌ، وعبد رزقه اللَّه مالًا، ولم يرزقه علمًا، فهو يَخْبِط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يَصِل فيه رحمه، ولا يعلم للَّه فيه حقًّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه اللَّه مالًا ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيّته، فوزرهما سواء"، قال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح. انتهى.