للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الاستعمال، وعِلْم المخاطب به، فلما حُذف الفعل انفصل الضمير.

(أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ؟) أَيْ أيَّ شيء تقول في حال سكوتك؟ قال في "العمدة": قيل: السكوت مُنافٍ للقول، فكيف يصحّ أن يقال: ما تقول في سكوتك؟.

وأجيب بأنه يَحْتَمِل أنه استَدَلّ على أصل القول بحركة الفم، كما استدل به على قراءة القرآن في الظهر والعصر باضطراب اللحية. انتهى (١).

وقال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "ما تقول" يُشْعِر بأنه فهم أن هناك قولًا، فإن السؤال وقع بقوله: "ما تقول"، ولم يقع بقوله: "هل تقول"، والسؤال بـ "هل" مقدَّم على السؤال بـ "ما" هنا، ولعله استدلّ على أصل القول بحركة الفم، كما ورد في استدلالهم على القراءة في السر باضطراب لحيته. انتهى كلام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

(قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- جوابًا لسؤاله ("أَقُولُ) بينهما (اللَّهُمَّ) أي يا اللَّه (بَاعِدْ) أي أبعد، قال الكرمانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أخرجه إلى صيغة المفاعلة للمبالغة، قال في "العمدة": لم يقل أهل التصريف إلا للتكثير، نحو: ضاعفت، بمعنى ضَعَّفتُ، وفي المبالغة معنى التكثير. انتهى (٣).

(بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ) جمع خَطيَّة، كالعَطَايا جمع عَطيَّة، يقال: خَطَأ في دِينه خَطَأ: إذا أثم فيه، والخِطْءُ بالكسر: الذنب والإثم.

وأصل خطايا: خَطَايِئُ، فقلبوا الياء همزة، كما في قبائل جمع قبيلة، فصار خطائِئُ بهمزتين، فقلبوا الثانية ياء، فصار خطائي، ثم قلبت الهمزة ياء مفتوحة فصارت خطايَي، فقلبت الياء ألفًا فصارت خطايا.

ثم إن الخطايا إن كان يراد بها اللاحقة، فمعناه: إذا قُدِّرَ لي ذنب فبَعِّدْ بيني وبينه، وإن كان يراد بها السابقة، فمعناه المَحْو والغفران، ويقال: المراد بالمباعدة مَحْوُ ما حَصَل منها والعصمة عما سيأتي منها، وهذا مجازٌ؛ لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان، والمكان، قاله في "العمدة".


(١) "عمدة القاري" ٥/ ٢٩٤.
(٢) "إحكام الأحكام" ٢/ ٢٦٨ - ٢٦٩.
(٣) "عمدة القاري" ٥/ ٢٩٤.