للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "المنهل": وفي هذا اللفظ مجازان: الأول: استعمال المباعدة في المعاني التي هي في الأصل تُسْتَعمل في الأجسام، الثاني: استعمالها في الإزالة بالكليّة مع أن أصلها لا يقتضي الزوال. انتهى (١).

(كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) قال في "العمدة": كلمة "ما" مصدرية تقديره: كتبعيدك بين المشرق والمغرب، ووجه الشبه أن التقاء المشرق والمغرب لَمّا كان مستحيلًا عادةً شُبِّه أن يكون اقترابه من الذنب كاقتراب المشرق والمغرب.

وقال الكرمانيّ: كرَّر لفظ "بين" في قوله: "وباعد بيني وبين خطاياي" ولم يكرره في قوله: "بين المشرق والمغرب"؛ لأنه إذا عُطِف على المضمر المجرور أعيد الخافض. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله الكرمانيّ هو قول جمهور النحاة، ولا يلزم ذلك عند ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ-، كما بيّنه في "خلاصته" حيث قال:

وعَوْدُ خَافض لَدَى عَطْفٍ عَلَى … ضَمير خَفْض لازمًا قَدْ جُعلَا

وَلَيْسَ عندي لَازمًا إذْ قدْ أَتَى … في النَّظْم وَالنَّثْر الصَّحيح مُثْبتَا

قال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "اللهم باعد بيني. . . إلخ" عبارة: إما عن مَحْوِها، وترك المؤاخذة بها، وإما عن المنع من وقوعها، والعصمة منها، وفيه مجازان:

أحدهما: استعمال المباعدة في ترك المؤاخذة، أو في العصمة منها، والمباعدة في الزمان، أو في المكان في الأصل.

والثاني: استعمال المباعدة في الإزالة الكلية، فإن أصلها لا يقتضي الزوال، وليس المراد ها هنا البقاء مع البعد، ولا ما يطابقه من المجاز، وإنما المراد الإزالة بالكلية، وكذلك التشبيه بالمباعدة بين المشرق والمغرب المقصود منه ترك المؤاخذة، أو العصمة. انتهى (٣).

(اللَّهُمَّ نَقِّنِي) بتشديد القاف، وهو من نَقّى يُنَقِّي تنقيةً، وهو مجاز عن


(١) "المنهل العذب المورود" ٥/ ١٩٤.
(٢) "عمدة القاري" ٥/ ٣٣.
(٣) "إحكام الأحكام" ٢/ ٢٦٩ - ٢٧٠.