للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إزالة الذنوب، ومحو أثرها (مِنْ خَطَايَايَ) وفي رواية البخاريّ "من الخطايا" (كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ) أي طَهِّرني من خطاياي، وأَزِلْها عني، كما يطهر الثوب الأبيض (مِنَ الدَّنَسِ) -بفتحتين- وهو الوَسَخ، ووقع التشبيه بالثوب الأبيض؛ لأن ظهور النَّقَاء فيه أشدّ وأكمل؛ لصفائه بخلاف غيره من الألوان.

(اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ) -بفتح، فسكون-: ماءٌ ينزل من السماء، ثم ينعقد على وجه الأرض، ثم يذوب بعد جُمُوده.

(وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ) -بفتح الراء- هو حَبُّ الغمام، وهو ماءٌ يَنزل من السماء جامدًا كالملح ثم يذوب على الأرض، أي طَهِّرني من الخطايا بأنواع مغفرتك التي هي في تمحيص الذنوب بمثابة هذه الأنواع الثلاثة في إزالة الأوساخ.

وذكر أنواع المطهِّرات المنزلة من السماء لا يمكن حصول الطهارة الكاملة إلا بأحدها، تبيانًا لأنواع المغفرة التي لا يتخلص من الذنوب إلا بها (١).

وقال الخطابيّ: هذه أمثالٌ ولم يُرَدْ بها أعيان هذه المُسَمَّيَات، وإنما أريد بها التوكيد في التطهير من الخطايا والمبالغة في محوها عنه، والثلج والبرد ماءان لم تمسهما الأيدي، ولم يمتهنهما استعمال، فكان ضرب المثل بهما أوكد في بيان معنى ما أراده من تطهير الثوب.

وقال التوربشتيّ: ذكر أنواع المطهرات المنزلة من السماء التي لا يمكن حصول الطهارة الكاملة إلا بأحدها بيانًا لأنواع المغفرة التي لا يتخلص من الذنوب إلا بها، أي طهرني بأنواع مغفرتك التي هي في تمحيص الذنوب بمثابة هذه الأنواع الثلاثة في إزالة الأرجاس، ورفع الأحداث.

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يمكن أن يقال: ذِكْرُ الثلج والبرد بعد ذكر الماء يعني في رواية البخاريّ حيث قُدِّم الماء عليها؛ لطلب شمول الرحمة بعد المغفرة، والتركيب من باب رأيته مُتَقَلِّدًا سيفًا ورُمْحًا، أي اغسل خطاياي بالماء: أي اغفرها، وزد على الغفران شمول الرحمة، طَلَبَ أوّلًا المباعدة بينه وبين


(١) راجع: "المنهل العذب المورود" ٥/ ١٩٤.