للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويَحْتَمِل أن يكون بدلًا منه جاريًا على محلّه، وقوله: (طَيِّبًا) وصفٌ له، أي خالصًا لوجهه تعالى، لا للرياء والسُّمْعة (مُبَارَكًا فِيهِ) أي يقتضي بركةً وخيرًا كثيرًا، يترادف إرفادُه، ويتضاعف إمْدَادُه، وقال ابن الملك: أي حمدًا جُعِلت البركة فيه، يعني حمدًا كثيرًا غايةَ الكثرة. انتهى. وقيل: مباركًا بدوام ذاته، وكمال غاياته.

(فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلي اللَّه عليه وسلم- صَلَاتَهُ) أي أدَّاها، وأتمّها، وسلّم منها (قَالَ: "أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟ ") "أل" فيه للعهد الحضوريّ، أي بالكلمات التي سمعناها آنفًا في هذه الصلاة (فَأَرَمَّ الْقَوْمُ) -بفتح الراء وتشديد الميم-: أي سكتوا، ولم يجيبوا، وقال القاضي عياض: ورواه بعضهم في غير "صحيح مسلم": "فأزَمَ" بالزاي المفتوحة، وتخفيف الميم، من الأزْمِ، وهو الإمساك، وهو صحيح المعنى. انتهى.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الرواية المشهورة بالراء والميم المشدّدة، ومعناه: سَكَتُوا، مأخوذ من المرَمّة، وهي الشفة، أي أطبقوا شِفاههم، ورواه بعضهم في غير مسلم: "فَأَزَمَ" بزاي مفتوحة، وميم مخفّفة، مأخوذ من الأَزْمِ، وهو شدُّ الأسنان بعضها على بعض، ومعناه سكتوا. انتهى (١).

(فَقَالَ: "أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا؟) أي بهذه الكلمات (فَإِنَّهُ) أي المتكلّم (لَمْ يَقُلْ بَأْسًا") قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يجوز أن يكون مفعولًا به، أي لم يتفوّهْ بما يؤاخذ عليه، وأن يكون مفعولًا مطلقًا، أي ما قال قولًا يُشدَّد عليه.

يعني أن هذا المتكلّم لم يقل شيئًا يكون سببًا للخوف، وإنما قال ذلك لَمَّا رأى سكوتَ القوم، وعدمَ إجابتهم؛ خوفًا من أن يغضب على المتكلِّم، ويواجهه بالتعنيف، فأزاله بقوله: "لم يقل بأسًا".

و"البأس": العذاب، والشدّة في الحرب، وفي حديث عليّ -رضي اللَّه عنه-: "كنا إذا اشتدّ البأس اتقينا برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (٢)، يريد الخوف، ولا يكون إلا مع


(١) "المفهم" ٢/ ٢١٧ - ٢١٨.
(٢) هو ما أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح، عن عليّ -رضي اللَّه عنه- قال: لَمّا حضر البأس يوم بدر اتقينا برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان من أشدّ الناس ما كان، أو لم يكن أحد أقرب إلى المشركين منه. =