للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال في "الفتح": قوله: "إذا سمعتم الإقامة" هو أخصّ من قوله في حديث أبي قتادة: "إذا أتيتم الصلاة"، لكن الظاهر أنه من مفهوم الموافقة؛ لأن المسرع إذا أقيمت الصلاة يترجى إدراك فضيلة التكبيرة الأولى، ونحو ذلك، ومع ذلك فقد نُهِي عن الإسراع، فغيره ممن جاء قبل الإقامة لا يحتاج إلى الإسراع؛ لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها، فيُنهَى عن الإسراع من بابٍ أولى.

وقد لَحَظَ فيه بعضهم معنى غير هذا، فقال: الحكمة في التقييد بالإقامة أن المسرع إذا أقيمت الصلاة يصل إليها، وقد انبهر فيقرأ، وهو في تلك الحالة، فلا يَحْصُل له تمام الخشوع في الترتيل وغيره، بخلاف من جاء قبل ذلك، فإن الصلاة قد لا تقام فيه حتى يستريح. انتهى.

وقضية هذا أنه لا يُكره الإسراع لمن جاء قبل الإقامة، وهو مخالف لصريح قوله: "إذا أتيتم الصلاة"؛ لأنه يتناول ما قبل الإقامة، وإنما قيد في هذا الحديث بالإقامة؛ لأن ذلك هو الحامل في الغالب على الإسراع. انتهى (١).

وقال الحافظ ولي الدين العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "إذا نودي للصلاة" يَحْتَمِل أن يراد بالنداء الأذان، ويَحْتَمِل أن يراد به الإقامة، ويدل للاحتمال الثاني قوله في رواية أخرى في "الصحيح": "إذا أقيمت الصلاة". وسواء فسَّرناه بالأذان أو الإقامة فليس هذا القيد معتبرًا في الحكم، فلو قَصَد الصلاة قبل الإقامة كُرِه له الإسراع أيضًا، بل هو أولى بالكراهة؛ لأنه بعد الإقامة يخاف فوت بعض الصلاة، وقبلها لا يخاف ذلك، فإذا نُهي عن الإسراع مع خوف فوات بعض الصلاة، فمع عدم الخوف أولى، فهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى، وهو من مفهوم الموافقة.

وقد صرح بذلك النوويّ، فقال: إنما ذكر الإقامة لينبه بها على ما سواها؛ لأنه إذا نُهي عن إتيانها سعيًا في حال الإقامة مع خوفه فوت بعضها، فقبل الإقامة أولى، وأكَّد ذلك ببيان العلة، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإن أحدكم إذا كان يَعْمِد إلى الصلاة، فهو في صلاة".

قال: وهذا يتناول جميع أوقات الإتيان إلى الصلاة، وأكَّد ذلك تأكيدًا


(١) "الفتح" ٢/ ١٣٩.