للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الآية [الجمعة: ٩]. فلا تنافي بين الآية والحديث في الذهاب إلى الجمعة.

وقال ابن منظور -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والسعي: عَدْوٌ دون الشَّدّ، قال: المراد بالسعي في هذا الحديث: هو العدو، يقال: سَعَى يَسْعَى سَعْيًا: إذا عَدَا، وسَعَى: إذا مَشَى، وسَعَى: إذا عَمِلَ، وسَعَى: إذا قَصَدَ، وإذا كان بمعنى الْمُضِيّ عُدِّي بـ "إلى"، وإذا كان بمعنى العمل عُدِّي باللام، والسعيُ: القصدُ، وبذلك فُسِّر قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩]، وليس من السعي الذي هو الْعَدُوُ، وقرأ ابن مسعود: "فامضوا إلى ذكر اللَّه"، وقال: لو كانت من السعي لسعيت حتى يَسْقُط ردائي، قال الزجاج: السعي، والذهاب بمعنى واحد؛ لأنك تقول للرجل: هو يسعى في الأرض، وليس هذا باشتداد، وقال الزجاج: أصل السعي في كلام العرب: التصرف في كلِّ عَمَلٍ، ومنه قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} [النجم: ٣٩]، معناه إلا ما عَمِلَ، ومعنى قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩]: فاقصدوا. انتهى كلام ابن منظور بتصرّف (١).

(وَأْتُوهَا تَمْشُونَ) جملة في محلّ نصب على الحال من الفاعل، قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المشي وإن كان يعم السعي، لكن التقييد بقوله: "وعليكم السكينة" خَصَّه بغيره، ولولا التقييد صريحًا لكفى المقابلة في إفادته. انتهى.

وإنما أتى بجملة: "وأتوها. . . إلخ" بعد قوله: "فلا تأتوها. . . إلخ" تأكيدًا.

قال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا أمر بالمشي، ونهيٌ عن الإسراع إلى الصلاة لمن سَمِعَ الإقامة، وليس سماع الإقامة شرطًا للنهي، وإنما خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أن الاستعجال إنما يقع عند سماع الإقامة خوف فوات إدراك التكبيرة، أو الركعة، فهو كقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} الآية [البقرة: ٢٨٣]، والرهن جائز في السفر وغيره، وكذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ


(١) "لسان العرب" ١٤/ ٣٨٥.