للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويحتمل أن يُجْمَع بين الروايتين بأن الجملتين وقعتا حالًا، أي خرج، والحال أن الصلاة أقيمت، والصفوف عدلت.

وقال الكرمانيّ: لفظ "قد" تُقَرِّب الماضي من الحال، وكأنه خرج في حالة الإقامة، وفي حال التعديل، ويَحْتَمِل أن يكونوا إنما شرعوا في ذلك بإذن منه، أو قرينة تدلّ عليه. انتهى (١).

(فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي إلى مصلّاه؛ ليصلّي بالناس (حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ) -بضم الميم- أي موضع صلاته (قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ) هذا صريح في أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن كبر، ودخل في الصلاة، ومثله في رواية البخاريّ: "وانتظرنا تكبيره"، وفي رواية له: "حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر، انصرف. . . ".

[فإن قيل]: يعارض هذا ما أخرجه أبو داود، وابن حبان، عن أبي بكرة -رضي اللَّه عنه-: "أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل في صلاة الفجر، فكبر، فأومأ بيده أن مكانكم، ثم جاء ورأسه يقطر، فصلّى بهم".

وأخرج مالك عن عطاء بن يسار مرسلًا: "أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كبر في صلاة من الصلوات، ثم أشار إليهم أن امكثوا، فذهب، ثم رجع، وعلى جلده أثر الماء".

[أجيب]: -كما قال في "الفتح"- بإمكان الجمع بينهما بحمل قوله: "كبر" على أراد أن يكبر، أو بأنهما واقعتان، كما أبداه عياض، والقرطبيّ احتمالًا، وقال النوويّ: إنه الأظهر، وجزم به ابن حبّان كعادته، فإن ثبت، وإلا فما في الصحيح أصح، واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه]: ادَّعَى ابن بطال أن الشافعيّ احتَجّ بحديث عطاء على جواز تكبير المأموم قبل تكبير الإمام، قال: فناقض أصله، فاحتَجَّ بالمرسل.

وتُعُقِّب بأن الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- لا يرد المراسيل مطلقًا، بل يحتجّ منها بما يَعْتَضِد، والأمر هنا كذلك؛ لحديث أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- المذكور، قاله في "الفتح" (٢).


(١) راجع: "الفتح" ٢/ ١٤٣.
(٢) "الفتح" ٢/ ١٤٣ - ١٤٤.