للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سئل عما يحتاج إليه. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "فلم يرُدّ عليه شيئًا" يعني على السائل، أي لَمْ يرُدّ عليه ما يَحصُلُ له به بيان ما سأل عنه، وإلا فقد قال له: "صلّ معنا هذين اليومين"، كما جاء في الرواية الأخرى، وفي هذا جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة، وجاز للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يؤخّر بيان ما سأله عنه، وإن جاز على السائل أن يُختَرَم قبل ذلك؛ لأن الأصل استصحاب السلامة والبقاءُ إلى مثل هذه المدّة، أو أوحي إليه أن يبقى إلى هذه المدّة. انتهى (٢).

(قَالَ) أبو موسى -رضي اللَّه عنه- (فَأَقَامَ الْفَجْرَ) معطوف على محذوف، أي فأمر بلالًا أن يؤذّن، فأذّن، فأقام الفجر، وفي نسخة: "فأقام بالفجر"، أي بسبب حضور صلاة الفجر، أو الباء بمعنى اللام، أي لأجل صلاة الفجر (حِينَ انْشَقَّ) أي طلع (الْفَجْرُ) يقال: شق الفجر، وانشق: إذا طلع، كأنه شَقَّ محلّ طلوعه، وخرج منه (وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا) أراد به أنه صلّى أول طلوع الفجر (ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ) أي بطن السماء (وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدِ انْتَصَفَ النَّهَارُ) أي ويشكّ الآخر في ذلك، ويوضّح هذا المعنى رواية النسائيّ بالاستفهام، ولفظه: "أنتصف النهار؟ "، قال الشيخ وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "أنتصف" بفتح الهمزة على سبيل الاستفهام، وهمزة الوصل محذوفة، كقوله تعالى: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ} [الصافات: ١٥٣]. وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَحْتَمِل أن تكون بكسرها على أن حرف الاستفهام مقدَّر، كما في قول القائل: طلعت الشمس؟. انتهى.

والجملة في محل نصب على الحال، والتقدير: أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- بالإقامة للظهر حين زالت الشمس، والحال أن القائل يقول -من شدة تبكيره-: هل انتصف الآن النهار؟.

(وَهُوَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ) والجملة في محلّ نصب على الحال من فاعل "أمره"، أي والحال أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعلم بانتصاف النهار، ودخولِ وقت الظهر، وإنما خفي على غيره، ولذلك استفهم (ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ) أي بعد الأذان،


(١) "شرح النوويّ" ٥/ ١١٦.
(٢) "المفهم" ٢/ ٢٤١.