ورُدّ عليهم بأن هذا تأويل بعيد، يبطله قوله:"فإن شدة الحرّ من فيح جهنم"؛ لأن أول وقت الظهر أشدّ حرًّا من آخره، وحديث أبي ذرّ المتقدم صريح في أن المراد بالإبراد التأخير إلى وقت البرد.
وقال الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ومن تأول الحديث على برد النهار، فقد خرج من جملة قول الأئمة.
وأجيب عما تمسكوا به، بأن أحاديث أول الوقت عامة، أو مطلقة، والأمر بالإبراد خاص؛ فهو مقدم، ولا التفات إلى من قال: التعجيل أكثر مشقة، فيكون أفضل؛ لأن الأفضلية لم تنحصر في الأشق، بل قد يكون الأخف أفضل، كما في قصر الصلاة في السفر، قاله في "الفتح"(١).
وأجيب عن حديث خباب -رضي اللَّه عنه- بأوجه:
أحدها: أنه إنما لم يجبهم لِمَا سألوا؛ لأنهم أرادوا أن يؤخروا الصلاة بعد الوقت الذي حدّه لهم، وأمرهم بالإبراد إليه، ويزيدوا على الوقت المرخَّص لهم فيه، ومن المعلوم أن حر الرمضاء الذي يسجد عليه، لا يزول إلَّا بعد خروج الوقت كله، ذكر المازريّ هذا الجواب، وقال: إنه الأشبه، يعني أشبه الأجوبة.
ثانيها: أن هذا الحديث ونحوه من الأحاديث الدالة على التقديم، منسوخة بأحاديث الإبراد؛ لأنها رُويت من حديث أبي هريرة، والمغيرة بن شعبة، ونحوهما ممن تأخر إسلامه، بخلاف أحاديث التعجيل، كحديث خباب، وحديث عبد اللَّه بن مسعود.
ويدل عليه ما رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" عن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- قال:"كنا نصلي مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة الظهر بالهاجرة، فقال لنا: أبردوا بالصلاة، فإن شدّة الحر من فيح جهنم"، ورواه الطحاويّ بلفظ:"ثم قال: أبردوا"، وأعله أبو حاتم بأنه رُوي عن قيس بن أبي حازم، عن عمر بن الخطاب من قوله.
وذكر الخلال عن الميمونيّ: أنهم ذاكروا أبا عبد اللَّه، يعني أحمد بن