للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حنبل حديث المغيرة بن شعبة، فقال: أسانيدها جياد، ثم قال: خباب يقول: "شكونا إلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يُشْكِنا"، والمغيرة -كما ترى- روى القصتين جميعًا، قال: وفي رواية غير الميمونيّ: وكان آخر الأمرين من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، الإبراد.

وقال الأثرم بعد ذكر أحاديث التعجيل والإبراد: فأما التي ذكر فيها التعجيل في غير الحر فإن الأمر عليها، وأما حديث خباب، وجابر، وما كان فيها من شدّة الحر، فإن ذلك عندنا قبل أن يأمر بالإبراد.

وقد جاء بيان ذلك في حديثين: أحدهما حديث بيان، عن قيس، عن المغيرة بن شعبة: قال: كنا نصلي مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالهاجرة، فقال لنا: "أبردوا" فتبيّن لنا أن الإبراد كان بعد التهجير، والحديث الآخر أبين من هذا: خالد بن دينار أبو خلدة، قال: سمعت أنسًا، يقول: "كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا كان البرد بَكَّر بالصلاة، وإذا كان الحرّ أبرد بالصلاة".

ثالثها: أن الإبراد رخصة، وتقديمه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان أخذًا بالأشق، قال العراقيّ: وبهذا قال بعض أصحابنا، ونصّ عليه الشافعيّ في البويطيّ، وصححه أبو علي السنجي، لكن الصحيح من مذهبنا أن الإبراد هو الأفضل، فلا يمشي عليه هذا الجواب.

رابعها: أن معنى قوله: "فلم يُشْكِنا" لم يُحْوِجنا إلى شكوى، بل رَخَّص لنا في الإبراد، حكاه القاضي أبو الفرج المالكيّ عن ثعلب، ويرُدّه أن في بعض طرقه: "في أشكانا"، وقال: "إذا زالت الشمس فصَلُّوا"، روى هذه الزيادة أبو بكر بن المنذر، كما ذكره ابن القطان.

خامسها: أن الإبراد أفضل، وحديث خباب فيه بيان جواز التعجيل، دلّ عليه كلام ابن حزم، فإنه ذكر استحباب الإبراد، ثم قال: وإنما لم نحمل هذا الأمر على الوجوب؛ لحديث خباب، قال العراقيّ: لكن في هذا نظر؛ لأن ظاهر حديث خباب المنع من التأخير، أو أنه مرجوح بالنسبة إلى التقديم، واللَّه أعلم. انتهى كلام العراقيّ ببعض تصرف، وبعض زيادة من "الفتح" (١).


(١) راجع: "طرح التثريب" ٢/ ١٥١ - ١٥٥.