(المسألة السادسة): قيل: لفظ "الصلاة" عامّ بناء على أن المفرد المعرّف بالألف واللام للعموم، فيتناول سائر الصلوات، وذلك يقتضي تأخير كل منها في شدة الحر، وبه قال الجمهور في الظهر، كما تقدم، وقال به أشهب وحده في صلاة العصر؛ قال: تؤخر ربع القامة، وقال به أحمد بن حنبل في رواية عنه في صلاة العشاء، فرأى تأخيرها في الصيف، وتعجيلها في الشتاء، وعكس ابن حبيب من المالكية، فرأى تأخيرها في الشتاء؛ لطول الليل، وتعجيلها في الصيف؛ لقصره.
قال العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهو أظهر في المعنى، ولا نعلم أحدًا قال بالإبراد في المغرب، وكأن ذلك لضيق وقتها، ولا في الصبح، وكأن ذلك لأن وقتها أبرد الأوقات مطلقًا، فلا معنى للإبراد بها.
وجواب الجمهور عن ترك القول بالإبراد في العصر والعشاء: أن المراد بالصلاة هنا صلاة الظهر، كما ورد بيانه في بعض الطرق الصحيحة المتقدمة؛ ففي رواية البخاري من حديث أبي سعيد -رضي اللَّه عنه-، فقال:"أبردوا بالظهر"، وهي رواية النسائيّ من حديث أبي موسى -رضي اللَّه عنه-، فتكون الألف واللام في الصلاة في الرواية المطلقة للعهد.
وأيضًا فإن أول وقت العصر، وأول وقت العشاء لا يكون في الغالب أشدّ حرًّا من آخر وقت الظهر، فإذا فعلت الظهر في آخر وقتها، ففعلُ العصر في أول وقتها، والعشاء في أول وقتها، وهما أقلّ حرًّا أولى بذلك.
وأيضًا فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينقل عنه في خبر الإبراد، لا بالعصر، ولا بالعشاء، بل كان يأتي بكل منهما في أول وقتها صيفًا وشتاءً، وأما تأخيره العشاء في بعض الأوقات، فهو إما لاجتماع الناس، كما ورد بيانه، أو لما في تأخيرها من الفضل، وليس ذلك لأجل الإبراد، ولا فرق فيه بين الصيف والشتاء. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن أرجح الأقوال في المسألة قول الجمهور، وهو أن الإبراد المأمور به إنما في الظهر، ومثله