للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ اختلفوا في تعجيل العصر وتأخيرها؛ فقالت طائفة: تعجيلها أفضل.

كتب عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أن وقت العصر، والشمس بيضاء نَقِيّة، بقدر ما يسير الراكب فرسخين، أو ثلاثة، وقال جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-: صلى أبو بكر العصر، ثم جاءنا، ونحن في دور بني سلمة، وعندنا جَزُور، وقد تشركنا عليها، فنحرناها، وجزيناها، وصنعنا له، فأكل قبل أن تغرب الشمس، وقال نافع: كان ابن عمر يصلي العصر، والشمس بيضاء لم تتغير، مَن أسرع السير سار قبل الليل خمسة أميال.

قال ابن المنذر: وهذا مذهب أهل المدينة، وبه قال الأوزاعيّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، والأخبار الثابتة دالّة على صحة هذا القول.

وذهبت طائفة إلى أن تأخير العصر أفضل، ورُوي ذلك عن أبي هريرة، وابن مسعود، وطاوس، وأبي قلابة، وابن سيرين، وحُكي عن أبي قلابة أنه قال: إنما سميت العصر لِتُعْصَر، وكذلك قال ابن شبرمة، وعن إبراهيم، وهمام، وعلقمة أنهم كانوا يؤخرون العصر، وقال أصحاب الرأي: يصلي العصر في آخر وقتها، والشمس بيضاء لم تتغير في الشتاء والصيف. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- باختصار (١).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأما العصر فتقديمها في أول الوقت أفضل، وبه قال جمهور العلماء، وقال الثوريّ، وأبو حنيفة، وأصحابه: تأخيرها أفضل ما لم تتغير الشمس، واحتجُّوا بقول اللَّه تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: ١١٤]، وبحديث عليّ بن شيبان قال: "قَدِمتُ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس نقيّة"، وعن عبد الواحد بن نافع، عن ابن رافع بن خديج، عن أبيه -رضي اللَّه عنه- قال: "أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بتأخير العصر"، ولأنها إذا أُخِّرت اتسع وقت النافلة.

قال: واحتجّ أصحابنا بقول اللَّه تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨] الآية، ومن المحافظة تقديمها في أول الوقت؛ لأنه إذا


(١) راجع: "الأوسط" ٢/ ٣٦٢ - ٣٦٥.