للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: أي علّمني قولًا جامعًا لمعاني الإسلام، واضحًا في نفسه، بحيث لا يحتاج إلى تفسير غيرك، أعمل عليه، وأكتفي به، وهذا نحوٌ مما قال له الآخر: عَلِّمني شيئًا أعيش به في الناس، ولا تُكثر عليّ، فأنسى، فقال: "لا تَغْضب" (١).

(وَفي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: غَيْرَكَ) يعني أنه وقع في رواية أبي أسامة بلفظ "غيرك" بدل "بعدك" أي لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال القاري رحمه الله تعالى: والأول مستلزم لهذا؛ لأنه إذا لم يسأل أحدًا بعد سؤاله لم يسأل غيره، وبهذا يظهر أولويّة الأول بجعله أصلًا، والثاني رواية، خلافًا لما فعل النوويّ في "أربعينه". انتهى كلام القاري (٢).

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("قُلْ: آمنْتُ بِاللهِ) أي بجميع ما يجب الإيمان به، وفي رواية أبي نعيم في "المستخرج": "قل: ربي الله، ثم استقم"، فالمراد بالإيمان هو الشرعيّ الذي هو التصديق بالجنان، والقول باللسان، والعمل بالأركان، فيكون معنى قوله: (فَاسْتَقِمْ ") وفي بعض النسخ: "ثم استقم"، أي ثمّ دم على ذلك الإيمان حتى تموت عليه، وهذا هو المعنى الراجح، كما يأتي تحقيقه عن الطيبيّ.

وقال الحافظ ابن رجب - رَحِمَهُ اللهُ -: الاستقامةُ: هي سلوكُ الصراط المستقيم، وهو الدين القَيّم من غير تعريج عنه يمنةً، ولا يَسْرَةً، ويَشْمَلُ ذلك فعلَ الطاعات كلّها الظاهرةَ والباطنةَ، وتركَ المنهيات كلها كذلك، فصارت هذه الوصية جامعةً لخصال الدين كلها. انتهى (٣).

وقال الأستاذ أبو القاسم القشيريّ في "رسالته": الاستقامة درجة بها كمال الأمور وتمامها، وبوجودها حُصول الخيرات ونظامها، ومن لم يكن مستقيمًا في حالته ضاع سعيه، وخاب جهده، قال: وقيل: الاستقامة لا يُطيقها


(١) رواه مالك في "الموطأ" ٢/ ٩٠٦، وأحمد في "مسنده" ٢/ ٣٦٢ و ٤٦٦ و ٥/ ٣٤ و ٣٧٢ و ٣٧٣، والبخاريّ في "صحيحه" (٦١١٦)، والترمذيّ في "جامعه" (٢٠٢١)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنهم -.
(٢) "المرقاة" ١/ ١٦٢.
(٣) "جامع العلوم والحكم" ١/ ٥١٠.