للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلا الأكابر؛ لأنها الخروج عن المعهودات، ومفارقة الرسوم والعادات، والقيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق، ولذلك قال: "استقيموا، ولن تُحصوا"، وقال الواسطيّ: الْخَصْلة التي بها كَمُلَت المحاسن، وبفقدها قَبُحَت المحاسن. ذكره النوويّ في "شرحه" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تفسير القشيريّ، وكذا ابن رجب للاستقامة بما ذُكر، وإن كان صحيحًا في نفسه، إلا أن المراد هنا هو الثبات والدوام، كما حقّقه الطيبيّ رحمه الله تعالى، ودونك عبارته.

قال رحمه الله تعالى: قوله: "ثم استقم" قال الأشرف: لفظ "ثُمّ" موضوع للتراخي، دالّةٌ على أن الكفّار غير مكلّفين بفروع الإسلام، بل هم مكلّفون بأصوله فقط، فإذا آمنوا كُلّفوا بفروعه.

قال الجامع عفا الله تعالى: هذا استنباط بعيدٌ، والراجح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، كما حقّقته في "التحفة المرضيّة" و"شرحها"، فتنبّه.

قال الطيبيّ: وأقول: اتَّفَقَ علماء البيان على أن "ثُمَّ" في مثل قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: ٣]، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: ٣٠] للتراخي في الرتبة، وأن الثبات والاستقامة على ذلك أفضل من قول: "آمنتُ بالله" ومقتضياته، وذلك أن هذا القول ادّعاءٌ من القائل بأنه رضي بالله ربًّا، والرضا بذلك إقرار بأن المعبود الخالق المنعِم على الإطلاق مالكه، ومدبّر أمره يوجب القيام بمقتضياته من الإيمان بملائكته، وكتبه، ورُسُله، واليوم الآخر، ومن الشكر باللسان، وتحقيق مراضيه بالقلب والجوارح، ثم الاستقامة على هذا، والثبات عليه، وأن لا يَرُوغ رَوَغَان الثعلب أفضل وأكمل.

[فإن قيل]: ما الفرق بين هذا وبين قول الشارحين؟ (٢).


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٩.
(٢) أشار بتفسير الشارحين إلى ما نقله قبلُ، وهو أنهم قالوا: "استقم" لفظ جامعٌ للإتيان بجميع الأوامر، والانتهاء عن جميع المناهي؛ لأنه لو ترك أمرًا لم يكن مستقيمًا على الطريق المستقيم، بل عدل عنه حتى يرجع إليه، ولو فعل منهيًّا، فقد =