للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[نقول]: إن قوله: "آمنتُ بالله" على هذا مستتبعٌ لما ذهب إليه الشارحون في تفسير قوله: "ثمّ استقم"، فيسلم على هذا معنى الاستقامة للثبات، والاستدامة على القول ومقتضياته، فيحسُنُ موقع "ثُمّ" المستدعية للتراخي في الرتبة، لا الزمان لفساده، وينصره قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: ١٥]، فإن قوله: {ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} يفسّر معنى قوله: ثم استقاموا بالثبات، وهو لتفسير الشارحين غير مطابق.

وأيضًا لَمّا تَقَرَّرَ من قبلُ أن مذهب الصحابة والتابعين، والمحدّثين على أن الإيمان مشتمل على التصديق بالجنان، والقول باللسان، والعمل بالأركان وجب حملُ معنى قوله: "آمنتُ" على المجموع، وقوله: "ثم استقم" على الثبات على ذلك.

قال: ثم إني - بعد لطف الله وتوفيقه - عَثَرتُ على نقل من جانب الشيخ محيي الدين النوويّ، عن القاضي عياض أنه قال: هذا من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم -، وهو مطابقٌ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: ٣٠]، أي وحّدوا الله تعالى، وآمنوا به، ثم استقاموا، فلم يَحِيدوا عن توحيدهم، والتزموا طاعته - سبحانه وتعالى - إلى أن تُوُفّوا على ذلك، وعلى ما ذكرناه أكثر المفسّرين من الصحابة، فمن بعدهم، وهو معنى الحديث. هذا كلام القاضي عياض، قال: والحمد لله على توارد الخواطر. انتهى كلام الطيبيّ رحمه الله تعالى (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا.

وسيأتي تمام البحث في أقوال أهل العلم في هذا الحديث في المسألة الرابعة - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف، لم يُخرجه البخاريّ.


= عَدَل عن الصراط المستقيم أيضًا حتى يتوب. قال: وهذا ما عليه كلام الشارحين. انتهى. "الكاشف" ٢/ ٤٥٧.
(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٤٥٧ - ٤٥٨.