للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يقبلهما بخلاف التوسط بين الشيئين، فإنه لا يقبلهما، فلا يبنى منه أفعل للتفضيل (١).

وأشار الشيخ زاده في حاشيته على البيضاويّ إلى جواز كونه من الوسط بمعنى المتوسط بين شيئين؛ فقال: ثم إن الأوسط قد يكون من الوسط بين الشيئين، وقد يكون اسم تفضيل من الوسط بمعنى العدل والخيار، فالوسط بهذا المعنى يقبل الزيادة والنقصان، فَيُبْنَى منه أفعل التفضيل، بخلاف الوسط بمعنى المتوسط بين الشيئين، فإنه لا يقبلهما، ولا يبنى منه أفعل التفضيل، فالأوسط الذي يكون من الوسط بهذا المعنى يكون صفة كأحمر لا اسم تفضيل، فيحتمل حمل الآية على كل من المعنيين. اهـ. باختصار وتصرف ١/ ٥٥١.

وكذا ذكر الزمخشريّ، وابن العربيّ القولين على الاحتمال (٢).

وقال أبو عبد اللَّه القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "تفسيره": والوُسْطَى تأنيث الأوسط، ووَسَطُ الشيءِ خيره وأعدله، ومنه قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣]، وقال أعرابي يمدح النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-[من البسيط]:

يَا أوْسَطَ النَّاسِ طُرًّا فِي مَفَاخِرهِمْ … وأَكْرَمَ النَّاسِ أمًّا بَرّةً وَأبَا

ووَسَطَ فُلانٌ القومَ يَسِطُهُم، أي صار في وسطهم.

وأفرد الصلاة الوسطى بالذكر، وقد دخلت قبلُ في عموم الصلوات؛ تشريفًا لها، كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} الآية [الأحزاب: ٧]، وقوله: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨)} [الرحمن: ٦٨]. انتهى (٣).

وقوله: (حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ") غاية "لحبسهم، وشغلهم، يعني أنهم منعوهم عن أداء صلاة العصر إلى غروب الشمس، فما صَلَّاها إلا بعده.

قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَحْتَمِل أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- نسيها لشغله بالعدوّ، ويَحْتَمِل أن يكونوا لم يُمكّنوه منها، ولم يُفرّغوه لفعلها، ويَحْتَمِل أن يكون أخّرها قصدًا؛ لأجل شغله بالعدوّ، وعلى هذا يكون هذا التأخير لأجل القتال مشروعًا، ثم


(١) "الفتوحات الإلهيّة على تفسير الجلالين" ١/ ١٩٤.
(٢) "المرعاة" ٢/ ٣٤٠.
(٣) "الجامع لأحكام القرآن" ٣/ ٢٠٨ - ٢٠٩.