للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الوضوء إلا مؤمن"، وفي رواية الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ -: "سَدِّدُوا، وقاربوا، ولا يحافظ على الصلاة إلا مؤمن" (١).

وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "سَدِّدُوا، وقاربوا".

فالسَّدَاد هو حقيقة الاستقامة، وهو الإصابة في جميع الأقوال، والأعمال، والمقاصد، كالذي يرمي إلى غَرَضٍ، فيصيبه.

وقد أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليًّا - رضي الله عنه - أن يسأل الله - عَزَّ وَجَلَّ - السَّدَادَ والهدى، وقال له: "اذكر بالسَّداد تسديدك السهم، وبالهدى هدايتك الطريق".

والمقاربةُ أن يصيب ما قَرُبَ من الْغَرَض إذا لم يُصب الغرض نفسه، ولكن بشرط أن يكون مُصَمِّمًا على قصد السداد، وإصابة الغرض، فتكون مقاربته عن غير عَمْدٍ، ويدل عليه قولُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث الحكم بن حَزْن الْكُلَفيّ - رضي الله عنه -: "أيها الناس إنكم لن تعملوا - أو لن تُطِيقوا - كلَّ ما أَمرتكم، ولكن سَدِّدُوا، وأبشروا" (٢).

والمعنى: اقصِدُوا التسديد والإصابة والاستقامة، فإنهم لو سَدَّدُوا في العمل كله، لكانوا قد فَعَلُوا ما أُمروا به كله.

فأصلُ الاستقامة استقامةُ القلب على التوحيد، كما فسّر أبو بكر الصديق وغيره - رضي الله عنهم - قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: ٣٠] بأنهم لم يلتفتوا إلى غيره.

فمتى استقام القلب على معرفة الله، وعلى خشيته، وإجلاله، ومهابته، ومحبته، وإرادته، ورجائه، ودعائه، والتوكل عليه، والإعراض عما سواه استقامت الجوارح كلُّها على طاعته، فإن القلب هو مَلِكُ الأعضاء، وهي جنوده، فإذا استقام الْمَلِك استقامت جنوده ورَعَاياه.


(١) حديث صحيح.
(٢) حديث صحيحٌ، رواه أحمد ٤/ ٢١٢، وأبو داود (١٠٩٦)، وأبو يعلى (٦٨٢٦)، والطبرانيّ في "الكبير" (٣١٦٥).