للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[الشورى: ١٥]، وقال قتادة: أُمر محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يستقيم على أمر الله، وقال الثوريّ: على القرآن، وعن الحسن قال: لَمّا نَزَلت هذه الآية، شَمَّرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَمَا رُؤي ضاحكًا. خَرَّجه ابن أبي حاتم.

وذكر القُشَيريّ عن بعضهم أنه رَأَى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فقال له: يا رسول الله قلت: "شيبتني هود وأخواتها" (١)، فما شَيَّبَكَ منها؟ قال: قوله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْت}.

وقال - عَزَّ وَجَلَّ -: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت: ٦].

وقد أَمَرَ الله تعالى بإقامة الدين عمومًا، كما قال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: ١٣]، وأمر بإقامة الصلاة في غير موضعٍ من كتابه، كما أَمر بالاستقامة على التوحيد في تينك الآيتين.

والاستقامةُ: هي سلوكُ الصراط المستقيم، وهو الدين القَيِّم من غير تعريج عنه يمنةً، ولا يَسْرَةً، ويَشْمَلُ ذلك فعلَ الطاعات كلّها الظاهرةِ والباطنة، وتركَ المنهيات كلها كذلك، فصارت هذه الوصية جامعةً لخصال الدين كلها.

وفي قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} إشارة إلى أنه لا بُدَّ من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيُجْبَر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة، والرجوع إلى الاستقامة، فهو كقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: "اتَّقِ اللهَ حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها" (٢).

وقد أَخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الناس لن يستطيعوا الاستقامة حقَّ الاستقامة، كما خرّجه الإمام أحمد، وابن ماجه، من حديث ثوبان - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال "استقيموا، ولن تُحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يُحافظ على


(١) تقدّم أنه حديث صحيح.
(٢) حديث حسنٌ، أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذيّ. راجع: "صحيح الجامع" ١/ ٨١ رقم (٩٧).