للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يجوز أن يكون لأجل طلبهم الرؤية على سبيل التعنت والعناد؟، بدليل الاستعظام في نزول الملائكة في قوله: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ} [الفرقان: ٢١]، ولا نزاع في جواز ذلك.

والجواب عن قولهم: لو صحت رؤية اللَّه تعالى. . . إلخ أن عدم الوقوع لا يستلزم عدم الجواز، فإن قالوا: الرؤية لا تتحقق إلا بثمانية أشياء: سلامة الحاسّة، وكون الشيء بحيث يكون جائز الرؤية، وأن يكون المرئي مقابلًا للرائي، أو في حكم المقابل، فالأول كالجسم المحاذي للرائي، والثاني كالأعراض المرئية، فإنها ليست مقابلة للرائي؛ إذ العَرَض لا يكون مقابلًا للجسم، ولكنها حالّة في الجسم المقابل للرائي، فكان في حكم المقابل، وأن لا يكون المرئيّ في غاية القرب، ولا في غاية البعد، وأن لا يكون في غاية الصِّغَر، ولا في غاية اللطافة، وأن لا يكون بين الرائي والمرئي حجاب.

قلنا: الشرائط الستة الأخيرة لا يمكن اعتبارها إلَّا في رؤية الأجسام، واللَّه تعالى ليس بجسم فلا يمكن اعتبار هذه الشرائط في رؤيته، ولا يعتبر في حصول الرؤية إلَّا أمران: سلامة الحاسّة، وكونه بحيث يصحّ أن يُرَى وهذان الشرطان حاصلان. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي ذكره صاحب "العمدة" في الردّ على نفاة رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، إلا أن قوله: "واللَّه تعالى ليس بجسم" فيه نظرٌ لا يخفى؛ لأنه لم يأت نصّ في جواز إطلاق الجسم على اللَّه تعالى، ولا في منعه، فلا ينبغي الخوض فيه، فتنبّه.

وقد ذكر العلامة ابن أبي العزّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح العقيدة الطحاويّة" بحثًا نفيسًا في مسألة الرؤية، بما يكفي ويشفي، فراجعه تستفد علمًا جمًّا (٢)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) "عمدة القاري" ٥/ ٤٣.
(٢) راجع: "شرح العقيدة الطحاويّة" لابن أبي العزّ (ص ١٨٩ - ٢٠١).