وقال السفاقسيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- عن أبي عبيدة: المراد الصبح والعصر والمغرب، وفيه نظر؛ لأن المذكور تثنية، ومع هذا لم يتبعه على هذا أحد.
وقال في "الفتح": المراد صلاة الفجر والعصر، ويدلّ على ذلك قوله في حديث جرير -رضي اللَّه عنه-: "صلاةٌ قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها"، زاد في رواية لمسلم:"يعني العصر والفجر"، قال الخطابيّ: سمّيتا بردين؛ لأنهما تصليان في بردي النهار، وهما طرفاه، حين يطيب الهواء، وتذهب سَوْرة الحرّ.
ونقل عن أبي عبيد أن صلاة المغرب تدخل في ذلك أيضًا، وقال القزّاز في توجيه اختصاص هاتين الصلاتين بدخول الجنة دون غيرهما من الصلوات ما مُحَصَّله: إن "مَن" موصولة، لا شرطية، والمراد الذين صَلَّوهما أولَ ما فُرِضت الصلاة، ثم ماتوا قبل فرض الصلوات الخمس؛ لأنها فُرِضت أوّلًا ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشيّ، ثم فُرضت الصلوات الخمس، فهو خبر عن ناس مخصوصين، لا عموم فيه.
قال الحافظ: ولا يخفى ما فيه من التكلُّف، والأوجه أن "مَن" في الحديث شرطية، وقوله:"دَخَلَ الجنّةَ" جواب الشرط، وعَدَلَ عن الأصل، وهو فعل المضارع، كأن يقول: يدخل الجنة؛ إرادةً للتأكيد في وقوعه، بجعل ما سيقع كالواقع، كما في قوله تعالى:{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} الآية [الأعراف: ٤٤]. انتهى (١).
وعبارة "العمدة": وزَعَم القَزّاز أنه اجتهد في تمييز هذين الوقتين؛ لعظم فائدتهما، فقال: إن اللَّه تعالى أدخل الجنة كلَّ مَن صلّى تلك الصلاة، ممن آمن به في أول دعوته، وبَشَّر بهذا الخبر أن مَن صلاهما معه في أول فرضه إلى أن نُسِخ ليلة الإسراء أدخلهم اللَّه الجنة، كما بادروا إليه من الإيمان؛ تفضلًا منه تعالى. انتهى.
قال العينيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كلامه يؤدّي إلى أن هذا مخصوص لأناس معينين، ولا عموم فيه، وأنه منسوخ، وليس كذلك من وجوه: