للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أيوب غازيًا، وعقبة بن عامر يومئذ على مِصْرَ، فأخَّر المغرب، فقام إليه أبو أيوب، فقال له: ما هذه الصلاة يا عقبة؟ فقال: سغِلنا، قال: أما سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا تزال أمتي بخير، أو قال: على الفطرة، ما لم يؤخروا المغرب، إلى أن تشتبك النجوم"؟ (١).

[تنبيه]: وقع في رواية البخاريّ بلفظ: "كنّا نصلّي مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المغرب إذا توارت بالحجاب"، قال في "الفتح": قوله: "إذا توارت بالحجاب": أي استترت، والمراد الشمس، قال الخطابيّ: لم يذكرها اعتمادًا على أفهام السامعين، وهو كقوله في القرآن: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}. انتهى.

وقد رواه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد، بلفظ: "إذا غربت السْمس، وتوارت بالحجاب"، فدلّ على أن الاختصار في المتن من شيخ البخاريّ، وقد صرَّح بذلك الإسماعيليّ، ورواه عبد بن حميد، عن صفوان بن عيسى، وأبو عوانة، والإسماعيليّ، من طريق صفوان أيضًا عن يزيد بن أبي عبيد، بلفظ: "كان يصلي المغرب ساعةَ تَغْرُب الشمس، حين يغيب حاجبها"، والمراد حاجبها الذي يبقى بعد أن يغيب أكثرها، والرواية التي فيها "توارت" أصرح في المراد.

قال: واستُدِلّ بهذه الأحاديث على ضعف (٢) حديث أبي بَصْرَة -بالموحدة، ثم المهملة- رفعه في أثناء حديث: "ولا صلاة بعدها حتى يُرَى الشاهد، والشاهد النجم". انتهى (٣).

وقال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "توارت" الضمير يعود إلى غير مذكور، وهو الشمس، وقرينة صلاة المغرب يدلّ عليه، وهو كقوله تعالى في قصّة سليمان عليه السلام: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (٣١) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (٣٢)} [ص: ٣١ - ٣٢]، فحذف ذكر الشمس؛ لدلالة العشيّ عليها.


(١) حديث صحيح، صححه الحاكم، ووافقه الذهبيّ.
(٢) دعوى ضعفه فيه نظر؛ لأنه أخرجه مسلم، وسيأتي في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.
(٣) "فتح الباري" ٢/ ٤٣.