ومن حجة من يقول بهذا القول الأخبار الثابتة عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمن ذلك حديث جابر بن سمرة -رضي اللَّه عنه- الآتي:"كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يؤخر العشاء الآخرة".
وحديث أبي بَرْزَة الأسلميّ -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا:"وكان يَستحبّ أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة"، متفق عليه، وهذا لفظ البخاريّ.
وحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لولا أن أشُقّ على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء، والسواك لكل صلاة"، رواه أحمد، وأصحاب السنن بإسناد صحيح.
وقال آخرون: تعجيلها أفضل، وقال قائل ذلك بعد أن يغيب البياض؛ لأنهم مجمعون على دخول الوقت إذا غاب البياض.
واحتَجّ من رأى تعجيل العشاء بعد دخول الوقت أفضل بالأخبار التي وردت في تعجيل الصلوات في أوائل أوقاتها، وبحديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- لما سئل عن صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكر العشاء، قال:"كان إذا كثر الناس عَجّل، وإذا قَلُّوا أَخَّر"، متّفق عليه.
وقال: إن الأخبار التي رُويت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في تأخير العشاء دالّة على أنه إنما فَعَل ذلك ليلة واحدة؛ لعارض عَرَض له، شَغَله ذلك عنه، فأخّر العشاء في تلك الليلة، وذكر أخبارًا تدل على ما قال، فمنها حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- المذكور هنا:"أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- شُغِل عنها ليلة، فأخّرها، حتى رقدنا. . . " الحديث (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: الراجح عندي أن التأخير هو الأفضل إلا لأجل المشقة، بأن كان إمام جماعة يشُقّ عليهم التأخير، فيكون في حقه التقديم أفضل، وهو الذي كان عليه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث إنه بيّن أن تأخيرها هو الأولى، فقال في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-: "إنه لوقتها لولا أن أشُقّ على أمتي"، رواه مسلم، وقال في حديث جابر بن سمرة -رضي اللَّه عنه-: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يؤخر العشاء الآخرة"، رواه مسلم، وفي حديث أبي برزة -رضي اللَّه عنه-: "وكان يَستحبّ أن يؤخر العشاء"، متّفقٌ عليه، وقال:"لولا أن أشُقّ على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء"