للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويمكن التوفيق بأنهما متلازمان، إذ الإطعام مستلزم لسلامة اليد، والسلامُ لسلامة اللسان، قاله الكرماني، وكأنه أراد في الغالب.

ويحتمل أن يكون الجواب اختَلَفَ لاختلاف السؤال عن الأفضلية، إن لُوحظ بين لفظ "أفضل"، ولفظ "خير" فرق.

وقال الكرماني: الفضل بمعنى كثرة الثواب في مقابلة القلّة، والخير بمعنى النفع في مقابلة الشرّ، فالأول من الكميّة، والثاني من الكيفيّة، فافترقا.

واعتُرِض بأن الفرق لا يتمّ، إلا إذا اختَصّ كلّ منهما بتلك المقولة، أما إذا كان كل منهما يُعقَل تأتيه في الأخرى فلا، وكأنه بَنَى على أن لفظ "خير" اسم، لا أفعلُ تفضيل، وعلى تقدير اتّحاد السؤالين جواب مشهور، وهو الحمل على اختلاف حال السائلين، أو السامعين، فيمكن أن يراد في الجواب الأول، تحذيرُ من خَشِيَ منه الايذاء بيد، أو لسان، فأَرشد إلى الكفّ، وفي الثاني ترغيبُ مَن رَجَى فيه النفع العام بالفعل والقول، فأَرشد إلى ذلك، وخَصّ هاتين الخصلتين بالذكر؛ لمسيس الحاجة إليهما في ذلك الوقت، لما كانوا فيه من الْجَهْد، ولمصلحة التأليف، ويدل على ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - حَثّ عليهما أوّل ما دخل المدينة، كما رواه الترمذي وغيره، مُصَحّحًا من حديث عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - (١).

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("تُطْعِمُ الطعَامَ) خبر لمحذوف بتقدير "أن" المصدريّة، أي هو أن تُطعم، أي إطعامك الطعام، فهو نظير قولهم: "تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه"، أي أن تسمع، أي سماعك، غير أن في هذا المؤوّلُ مبتدأ، وفي الحديث خبرٌ، وحَذْفُ "أن" ورفعُ الفعل جائز على الصحيح في سعة الكلام،


(١) أراد به ما أخرجه الترمذيّ بإسناد صحيح عن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال: لَمّا قَدِمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة انَجَفل الناس، إليه: وقيل: قَدِمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قَدِم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استثبَتُّ وجهَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَرَفْتُ أن وجهه ليس بوجه كذّاب، وكان أوّلُ شيء تكلم به أن قال: "أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصَلّوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام"، قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.