للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نصف الليل"، فكلاهما حجة لِمَا صار إليه ابن حبيب من أن آخر وقت العشاء الآخرة نصف الليل. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تقدّم أن أرجح المذاهب أن آخر وقت العشاء هو نصف الليل، لا وقت لها بعده؛ لظاهر النصوص، وقد تقدّم القائلون بهذا القول، وهو أيضًا مذهب الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فقد ترجم في "صحيحه" بقوله: "باب وقتُ العشاء إلى نصف الليل".

وقال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد ذكر قول من قال بامتداد وقت العشاء إلى طلوع الفجر ما نصّه: والأحاديث كلّها تدلّ على ذلك، مثل أحاديث صلاة جبريل بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عند مغيب الشفق في اليوم الأول، وفي الثاني إلى ثلث الليل، وقوله: "الوقت ما بين هذين".

ومثلُ حديث بُريدة -رضي اللَّه عنه- الذي فيه أن سائلًا سأل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن وقت الصلاة، فأمره أن يشهد معه الصلاة، فصلى بهم في أول مرّة العشاء لَمّا غاب الشفق، وفي الثانية إلى ثلث الليل، وقال: "ما بين هذين وقتٌ"، وقد أخرجه مسلم، وأخرج نحوه من حديث أبي موسى -رضي اللَّه عنه-.

وأخرج أيضًا من حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "وقتُ العشاء إلى نصف الليل".

قال: وهذا كلّه يدلّ على أن ما بعد ذلك ليس بوقت، والمراد أنه ليس بوقت اختيار، بل وقت ضرورة، وذهب الإصطخريّ من أصحاب الشافعيّ إلى أن الوقت بالكليّة يخرُج بنصف الليل، أو ثلثه، ويبقى قضاءً، وقد قال الشافعيّ: إذا ذهب ثلث الليل لا أراها إلا فائتةً، وحمله عامّة أصحابه على فوات وقت الاختيار خاصّةً. انتهى كلام ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي ذكره ابن رجب بعد ذكر الأدلة أن ما بعد النص ليس بوقت تحقيق نفيس، وأما قوله بعده -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "والمراد أنه ليس بوقت اختيار. . . إلخ"، فمحلّ نظر؛ لأنه نقض لما بناه أوّلًا.


(١) "المفهم" ٢/ ٢٦٦.
(٢) "فتح الباري" لابن رجب ٤/ ٤١٠ - ٤١١.