ذهب أكثرهم إلى أن الأفضل فيها التغليس، وهو مذهب عمر، وعثمان، وابن الزبير، وأنس، وأبي موسى، وأبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، ونقله الحازميّ عن بقية الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وأبي مسعود الأنصاري، وأهل الحجاز، وبه قال الأوزاعيّ، ومالك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وجمهور العلماء.
وذهب بعضهم إلى أن الإسفار أفضل من التغليس، وهو مذهب النخعيّ، والثوريّ، وأبي حنيفة، وأصحابه، والحسن بن حَيٍّ، وأكثر العراقيين، وهو مرويّ عن عليّ، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهما-.
قال النوويّ: احتَجّ هؤلاء بحديث رافع بن خَدِيج -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:"أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر"، رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح وهذا لفظ الترمذي، وفي رواية أبي داود:"أصبحوا بالصبح، فإنه أعظم للأجر".
وعن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال:"ما رأيت رسنول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى صلاة لغير ميقاتها، إلا صلاتين: جمع بين المغرب والعشاء بجمع -يعني بالمزدلفة- وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها"، رواه البخاريّ، ومسلم، قالوا: ومعلوم أنه لم يصلها قبل طلوع الفجر، وإنما صلاها بعد طلوعه مغلسًا بها، فدل على أنه كان يصليها في جميع الأيام غير ذلك اليوم مسفرًا بها، قالوا: ولأن الإسفار يفيد كثرة الجماعة، واتصال الصفوف، ولأن الإسفار يتسع به وقت التنفل قبلها، وما أفاد كثرة النافلة كان أفضل.
واحتَجَّ الأولون القائلون بأفضلية التغليس بقول اللَّه تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ}[البقرة: ٢٣٨]، ومن المحافظة تقديمها في أول الوقت؛ لأنه إذا أخرها عَرَّضَهَا للفوات، وبقوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[آل عمران: ١٣٣]، والصلاة تُحَصّل ذلك، وبقوله تعالى:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[المائدة: ٤٨].
وبحديث عائشة -رضي اللَّه عنها- هذا، وهو مُتَّفقٌ عليه، وبحديث أبي برزة -رضي اللَّه عنه- المذكور في هذا الباب، وفيه:"وكان يصلي الصبح، فينصرف الرجل إلى وجه جليسه الذي يعرف، فيعرفه، قال: وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة"، مُتّفق عليه.