الفجر الأول، والثاني طلبًا للثواب، فقيل لهم: صلوا بعد الفجر الثاني، وأصبحوا بها، فإنه أعظم لأجركم.
فإن قيل: لو صلَّوا قبل الفجر لم يكن فيها أجر، فالجواب أنهم يؤجرون على نيتهم، وإن لم تصح صلاتهم، لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا اجتهد الحاكم، فأخطأ فله أجر".
وأما الجواب عن حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- فمعناه أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى الفجر في هذا اليوم قبل عادته في باقي الأيام، وصلى في هذا اليوم أول طلوع الفجر، ليتسع الوقت لمناسك الحج، وفي غير هذا اليوم كان يؤخر عن طلوع الفجر قدر ما يتوضأ الْمُحْدِث، ويغتسل الجنب، ونحوه، فقوله قبل ميقاتها معناه قبل ميقاتها المعتاد بشيء يسير، والجواب عن قولهم: الإسفار يفيد كثرة الجماعة، ويتسع به وقت النافلة: إن هذه الفائدة لا تلحق بفائدة فضيلة أول الوقت، ولهذا كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُغَلِّس بالفجر، ذكر هذا كلّه النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح المهذّب"(١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: في بعض هذه الأجوبة تعسُّفٌ ظاهر، وأحسن الأجوبة عندي، وأولاها في الجمع بين الأحاديث جواب من أجاب بأن حديث الإسفار معناه مَدّ القراءة إلى الإسفار، فيكون الدخول في القراءة في الغلس، والخروج في الإسفار.
قال العلامة ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد ذكر حديث رافع بن خَدِيج -رضي اللَّه عنه- ما لفظه: وهذا بعد ثبوته إنما المراد به الإسفار دوامًا، لا ابتداءً، فيدخل فيها مُغَلِّسًا، ويخرج مُسْفِرًا؛ كما كان يفعله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقوله موافق لفعله، لا مناقضٌ له، وكيف يُظَنُّ به المواظبة على فعل ما الأجر الأعظم في خلافه؟!. انتهى.
وهذا هو الذي اختاره الطحاويّ في "شرح معاني الآثار"، وقد بسط الكلام فيه، وقال في آخره: فالذي ينبغي الدخول في الفجر في وقت التغليس، والخروج منها في وقت الإسفار، على موافقة ما روينا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-،
(١) راجع: "المجموع شرح المهذب" ٣/ ٥١ - ٥٤ نُقل عنه بتصرف يسير.