للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(الْمَدِينَةَ) أي النبويّة، وكان قدوم الحجاج إليها أميرًا عليها من قِبَلِ عبد الملك بن مروان سنة (٧٤) وذلك عَقِبَ قتل ابن الزبير، فَأمَّرَهُ عبد الملك على الحَرَمَينِ، وما معهما، ثم نقله بعد هذا إلى العراق، قاله في "الفتح" (١).

(فَسَأَلْنَا) عطف على جواب "لَمّا" المقدّر (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) لم يُبَيَّن المسؤول عنه ما هو؟ وهو معلوم من الجواب، والأصل: سألناه عن مواقيت الصلاة، وكيف كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي فيها؟، وقد جاء مفسرًا في رواية أبي عوانة المتقدمة، حيث قال: "سألنا جابر بن عبد اللَّه في زمن الحجاج، وكان يؤخر الصلاة عن وقت الصلاة" (فَقَالَ) جابر -رضي اللَّه عنه- (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي الظُّهْرَ بالْهَاجِرَةِ) هي شدّة الحرّ، والمراد بها نصف النهار بعد الزوال، سميت بها؛ لأَن الهجرة هي الترك، والناس يتركون التصرّف حينئذ لشدّة الحرّ؛ لأجل القيلولة وغيرها، قاله في "العمدة" (٢).

قال العلامة ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما حاصله: هذا يدلّ على تقديمها في أول الوقت، فإنه قد قيل في الهاجرة والهَجِيرِ: إنهما شدّة الحرّ وقُوَّتُهُ، ويعارضه ظاهر قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا اشتدّ الحرّ، فأبردوا".

ويمكن الجمع بينهما بأن يكون أطلق اسم الهاجرة على الوقت الذي بعد الزوال مطلقًا، فإنه قد يكون فيه الهاجرة في وقت، فيطلق على الوقت مطلقًا بطريق الملازمة، وإن لم يكن وقت الصلاة في حرّ شديد، وفيه بُعْد، وقد يقرب بما نُقِل عن صاحب "العين"، أن الْهَجِير والهاجرة نصف النهار، فإذا أخذ بظاهر هذا الكلام كان مطلقًا على الوقت. انتهى (٣).

والذي ارتضاه العلامة الصنعانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "حاشيته" أن يقال: إن أحاديث التهجير منسوخة كما قال أحمد، ودلّ له حديث المغيرة -رضي اللَّه عنه-، وأنه كان أول الأمر صلاته بالهاجرة، ثم نسخه بالإبراد، وهو خاصّ بأيام شدة الحرّ.

وقد يقال: إن الصحابيّ إذا عبَّر بعبارة تدلّ على أن هِجّيرَاهُ وعادته كان


(١) "الفتح" ٢/ ٥٠.
(٢) "عمدة القاري" ٥/ ٥٦.
(٣) "إحكام الأحكام" ٢/ ٢٣ - ٢٤.