للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بَالِيَةً، مثل عافاه مُعافاة، وعافية، قالوا: ولا تستعمل إلا مع الجحد، والأصل فيه قولهم: تَبَالَى القومُ: إذا تبادروا إلى الماء القليل، فاستَقَوا، فمعنى "لا أبالي": لا أبادر، إهمالا له، وقال أبو زيد: ما باليت مُبالاةً، والاسم البِلاءُ، وزانُ كِتَاب، وهو الهم الذي تُحَدِّث به نفسك، قاله الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

(بَعْضَ تَأْخِيرِهَا) بالنصب، مفعولًا لـ "يبالي"، وأصل الكلام: كان لا يبالي بتأخير العشاء بعض التأخير (قَالَ: يَعْنِي الْعِشَاءَ) أي يَقْصِد أبو برزة بالضمير في "تأخيرها" العشاء، والعناية من بعض الرواة؛ سَيّارٍ، أو غيرِهِ (إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) وفي الرواية التالية: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يبالي بعض تأخير صلاة العشاء نصف الليل -ثم قال-: أو ثلث الليل" وفي لفظ: "يؤخّر العشاء إلى ثلث الليل"، فتبيّن بهذا أنه لا يصل إلى نصف الليل حقيقةً، وإنما هو قبله، فلا يصحّ الاستدلال به على امتداد وقت العشاء بعد نصف الليل، فتنبّه (وَلَا) نافية، ولذا رفع قوله: (يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا) أي لما فيه من التعرّض لتفويتها، وهذا لمن لا يجد موقظًا، أو يستغرقه النوم حتى يفوت العشاء، وإلا فلا بأس بالنوم قبلها؛ لحديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- المتقدّم: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شُغِل عنها ليلةً، فأخرها، حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا. . . " الحديث متفق عليه.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أما كراهة النوم قبلها فلما يُخاف من غلبة النوم، فيفوت وقتها، أو أفضل وقتها المستحسن، وقال بهذا جماعة، منهم ابن عمر، وابن عباس، وغيرهم، وهو مذهب مالك، ورخَّص فيه بعضهم، منهم عليّ، وأبو موسى، وغيرهم، وهو مذهب الكوفيين، واشترط بعضهم أن يَجعل معه من يوقظه للصلاة، ورُوي عن ابن عمر مثله، وإليه ذهب الطحاويّ. انتهى (٢).

(وَلَا) يُحبّ أيضًا (الْحَدِيثَ بَعْدَهَا) أي حديث الناس، أي المحادثَةَ، وهذا إذا لم يكن الحديث في أمر مهمّ، وإلا فقد ثبتٌ من حديث عمر -رضي اللَّه عنه-: "أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسمر هو وأبو بكر في الأمر من أمور المسلمين، وأنا معهما". حَسّنه الترمذيّ.


(١) "المصباح المنير" ١/ ٦٢.
(٢) "المفهم" ٢/ ٢٧١.