للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومن حديث أنس -رضي اللَّه عنه-: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطبهم بعد العشاء، فقال: "ألا إنّ الناس قد صَلَّوا، ثم رقدوا، وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة"، متفق عليه.

ومن حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: صَلَّى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام، فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه. . . "، الحديث، متفق عليه.

والحاصل أن الحديث المكروه هو الحديث الذي لا فائدة فيه، وإنما كرهه لكونه يؤدي إلى ترك قيام الليل، أو للاستغراق في الحديث، ثم يستغرق في النوم، فيخرج وقت الصبح.

وكان عمر رضي اللَّه تعالى عنه يضرب الناس على ذلك، ويقول: أسمرًا أول الليل، ونومًا آخره؟.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وإذا تقرّر أن علة النهي ذلك، فقد يُفَرِّق فارق بين الليالي الطوال والقصار، ويمكن أن تُحْمَل الكراهة على الإطلاق حسمًا للمادّة؛ لأن الشيء إذا شُرع لكونه مظنة قد يستمرّ، فيصير مَئِنّة، واللَّه تعالى أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: حمله على الإطلاق هو المتعيِّن؛ لإطلاق النصّ، ولا بدّ أيضًا من تقييد إباحة الأمر المهمّ بما لا يؤدي إلى ما ذُكِر من التفويت لطوله، وما ثبتٌ عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يؤدي إليه؛ إذ ليس طويلا، فتبصر، واللَّه تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأما كراهة الحديث بعدها، فلما يؤدّي إليه من السهر، ومخافة غلبة النوم آخر الليل، فينام عن قيام آخر الليل، وربما ينام عن صلاة الصبح، قال: ويظهر لي أن كراهة ذلك إنما هو لما أن اللَّه جعل الليل سكنًا، أي يُسْكَنُ فيه، فإذا تحدّث الإنسان فيه، فقد جعله كالنهار الذي هو مُتصَرَّف المعايش، فكأنه قصد إلى مخالفة حكمة اللَّه تعالى التي أجرى عليها وجوده.


(١) "الفتح" ٢/ ٨٧.