الرَّجُلُ) أي يسلم من الصلاة (فَيَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ جَلِيسِهِ) فَعِيل بمعنى فاعل، أي مَن يجالسه، أي الشخص الذي بجنبه، ففي رواية الْجَوْزقيّ من طريق وهب بن جرير، عن شعبة:"فينظر الرجل إلى جليسه، إلى جنبه، فيعرف وجهه"(الَّذِي يَعْرِفُ) صفة لجليسه، وعائده محذوف، أي يعرفه (فَيَعْرِفُهُ) فيه دليلٌ على استحباب التعجيل بصلاة الصبح؛ لأن ابتداء معرفة الإنسان وجه جليسه يكون في أواخر الغلس، وقد صَرّح بأن ذلك كان عند فراغ الصلاة، ومن المعلوم من عادته -صلى اللَّه عليه وسلم- ترتيل القراءة، وتعديل الأركان، فمقتضى ذلك أنه كان يدخل فيه مُغَلّسًا.
وادَّعَى الزين ابن الْمُنَيِّر أنه مخالف لحديث عائشة -رضي اللَّه عنها- المتقدّم، حيث قالت في النساء اللاتي يُصلين مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فينصرفن لا يُعْرَفْنَ من الغَلَس".
وتُعُقِّب بأن الفرق بينهما ظاهر، وهو أن حديث أبي برزة -رضي اللَّه عنه- متعلق بمعرفة من هو مسفر جالس إلى جنب المصلي، فهو ممكن، وحديث عائشة -رضي اللَّه عنها- متعلق بمن هو مُتَلَفِّف مع أنه على بُعْدٍ، فهو بعيد، قاله في "الفتح"(١).
(قَالَ) أبو برزة -رضي اللَّه عنه- (وَكَانَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (يَقْرَأُ فِيهَا) أي في صلاة الصبح (بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ) يعني من الآي، أي يقرأ بسورة بعد الفاتحة يتراوح عدد آياتها بين الستين والمائة، وقدّرها في رواية الطبراني بـ "سورة الحاقة"، ونحوها.
وقد تقدّم في "باب القراءة في الصبح" رقم [٣٦/ ١٠٣٦] من طريق خالد الحذّاء، عن أبي المنهال، وهو سيّار بلفظ:"يقرأ في الفجر ما بين الستين إلى المائة آيةً"، ونحوه في رواية للبخاريّ أيضًا، وأشار الكرمانيّ إلى أن القياس أن يقول:"ما بين الستين والمائة"؛ لأن لفظ "بين" يقتضي الدخول على متعدد، قال: ويَحْتَمِل أن يكون التقدير: ويقرأ ما بين الستين، وفوقها إلى المائة، فحذف لفظ فوقها لدلالة الكلام عليه، قاله في "الفتح"، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.