للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[أحدها]: قيام نظام الأُلفة بين المصلّين، ولهذه العلّة شُرعت المساجد في المحالّ؛ ليحصل التعاهد باللقاء في أوقات الصلوات بين الجيران.

[ثانيها]: حصر النفس أن تستقلّ بهذه العبادة وحدها، فإنها ربما لم تَفِ بالقيام بها وحدها، فإذا علمت انتظار جماعة لها حرّكها ذلك إلى المبادرة لفعلها، فإن النفوس تُحبّ البطالة، وتركن إليها، فإذا وجدت محرّكًا من خارج أذعنت وأجابت.

[ثالثها]: أن الناس بين عالم بأفعال الصلاة وأحكامها، وجاهل بها، فإذا حصل إقامتها في الجماعة تعلّم الجاهل من العالم، فزال جهله.

[رابعها]: أن الدرجات والمثوبات متفاوتة في العمال؛ لأجل قبول الأعمال، فإذا كانت الجماعة حصل فيها الكامل والناقص بحسب الحضور والغفلة، فيعود من بركة الكامل على الناقص، فتكمل صلاته. انتهي، ذكر هذا كله ابن الملقّن -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو بحث مفيدٌ جدًّا، واللَّه تعالى أعلم.

وذكر الشيخ شاه وليّ اللَّه الدهلويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- كلامًا حسنًا يتعلّق بأسرار تشريع صلاة الجماعة أيضًا، أحببت إيراده هنا، وإن كان فيه طولٌ، إلَّا أنه مفيد، قال -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

(اعلم) أنه لا شيء أنفع من غائلة الرسوم من أن يُجعَل شيء من الطاعات رسمًا فاشيًا، يؤدَّى على رؤوس الخامل والنبيه، ويستوي فيه الحاضر والباد، ويجري فيه التفاخر والتباهي، حتى تدخل في الارتفاقات الضرورية التي لا يمكن لهم أن يتركوها، ولا أن يُهملوها؛ لتصير مؤيِّدًا لعبادة اللَّه، والسنةُ تدعو إلى الحقّ، ويكون الذي يُخاف منه الضرر هو الذي يَجلُبُهم إلى الحقّ، ولا شيءَ من الطاعات أتمّ شأنًا، ولا أعظم برهانًا من الصلاة، فوجب إشاعتها فيما بينهم، والاجتماع لها، وموافقة الناس فيها.

وأيضًا فالملة تجمع ناسًا علماء يُقتَدَى بهم، وناسًا يحتاجون في تحصل إحسانهم إلى دعوة حثيثة، وناسًا ضعفاء الْبِنْية، ولو لَمْ يكلفوا أن يؤدوا على أعين الناس تهاونوا فيها، فلا أنفع، ولا أوفق بالمصلحة في حقّ هؤلاء جميعًا


(١) "الإعلام بفوائد عمدة الإحكام" ٢/ ٣٤٦ - ٣٤٧.