أن يكلفوا أن يطيعوا اللَّه على أعين الناس، ليتميز فاعلها من تاركها، وراغبها من الزاهد فيها، ويُقتَدَى بعالمها، ويُعَلَّم جاهلها، وتكون طاعة اللَّه فيهم، كسبيكة تُعْرَض على طائف الناس ينكر منها المنكر، ويعرف منها المعروف، ويرى غِشّها وخالصها.
وأيضًا فلاجتماع المسلمين راغبين في اللَّه، راجين راهبين منه، مسلمين وجوههم إليه -عَزَّ وَجَلَّ- خاصيةٌ عجيبةٌ في نزول البركات، وتدلي الرحمة، كما بيّنا في الاستسقاء والحج.
وأيضًا فمراد اللَّه من نصب هذه الأمة، أن تكون كلمة اللَّه هي العليا، وألا يكون في الأرض دين أعلى من الإسلام، ولا يُتَصَوَّر ذلك إلَّا بأن يكون سنتهم أن يجتمع خاصتهم وعامتهم، وحاضرهم وباديهم، وصغيرهم وكبيرهم، لِمَا هو أعظم شعائره، وأشهر طاعاته، فلهذه المعاني انصرفت العناية التشريعية إلى شرع الجمعة والجماعات، والترغيب فيها، وتغليظ النهي عن تركها.
والإشاعة إشاعتان: إشاعة في الحيّ، وإشاعة في المدينة، والإشاعة في الحيّ تتيسر في كل وقت صلاة، والإشاعة في المدينة لا تتيسر إلَّا غِبّ طائفة من الزمان، كالأسبوع، أما الأولى فهي الجماعة، وفيها قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة"، وفي رواية:"بخمس وعشرين درجةً"، وقد صرح النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو لَوَّح أن من المرجحات أنه إذا توضأ، فأحسن وضوءه، ثم توجه إلى المسجد، لا ينهضه إلَّا الصلاة، كان مشيه في حكم الصلاة، وخطواته مكفرات لذنوبه، وأن دعوة المسلمين تحيط بهم من ورائهم، وأن في انتظار الصلوات معنى الرباط والاعتكاف، إلى غير ذلك، ثم ما نَوَّه بأحد العددين المذكورين إلَّا لنكتة بليغة، تمثلت عنده -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد ذكرناها من قبلُ فراجع، وليس في الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه جِزَافٌ بوجه من الوجوه.
وفيها قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما من ثلاثة في قرية أو بَدْوٍ، لا تقام فيهم الصلاة، إلَّا قد استحوذ عليهم الشيطان".