للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، لقد هَمَمت أن آمر بحطب، فيُحْطَب. . . " الحديث.

أقول: الجماعة سنة مؤكدة (١)، تقام اللائمة على تركها؛ لأنَّها من شعائر الدين، لكنه -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى من بعضِ مَن هنالك تأخّرًا واستبطاءً، وعَرَف أن سببه ضعف النية في الإسلام، فشدد النكير عليهم، وأخاف قلوبهم.

ثم لَمّا كان في شهود الجماعة حرج للضعيف والسقيم، وذي الحاجة، اقتضت الحكمة أن يُرَخَّص في تركها عند ذلك، ليتحقق العدل بين الإفراط والتفريط.

فمن أنواع الحرج: ليلة ذاتُ بَرْد ومطر، ويستحب عند ذلك قول المؤذن: "إلا صَلُّوا في الرحال".

ومنها: حاجة يَعْسُر التربص بها، كالعَشَاء إذا حضر، فإنه ربما تتشوف نفس إليه، وربما يضيع الطعام، وكمدافعة الأخبثين، فإنه بمعزل عن فائدة الصلاة، مع ما به من اشتغال النفس.

ولا اختلاف بين حديث: "لا صلاة بحضرة الطعام"، وحديث: "لا تؤخروا الصلاة لطعام ولا غيره" (٢)؛ إذ يمكن تنزيل كل واحد على صورة أو معنى، إذ المراد نفي وجوب الحضور سدًّا لباب التعمُّق، وعدم التأخير هو الوظيفة لمن أَمِن شر التعمق، وذلك كتنزيل فطر الصائم وعدمه على الحالين، أو التأخير إذا كان تشوفٌ إلى الطعام، أو خوف ضياع، وعدمه إذا لَمْ يكن، وذلك مأخوذ من حالة العلة.

ومنها: ما إذا كان خوف فتنةٍ، كامرأة أصابت بَخُورًا، ولا اختلاف بين قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد، فلا يمنعها"، وبين ما حكم به جمهور الصحابة من منعهنّ؛ إذ المنهي الغيرة التي تنبعث من الأنَفَة دون خوف الفتنة، والجائز ما فيه خوف الفتنة، وذلك قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الغيرة غيرتان. . . "


(١) سيأتي أن الصواب أنها فرض؛ للأدلّة الكثيرة، فتنبّه.
(٢) حديث ضعيفٌ، أخرجه أبو داود في "سننه" ٣/ ٣٤٥.