أحببت إيراده، وإن تقدّم معظمه، لكن كونه مجموعًا في محلّ واحد أولى، وأرسخ في الذهن، قال رحمه الله تعالى:
هذان الإسنادان كلهم مصريون، أئمة جِلّة، وهذا من عزيز الأسانيد في مسلم، بل في غيره، فإن اتّفاق جميع الرواة في كونهم مصريين، في غاية القِلّة، ويزداد قلّةً باعتبار الجلالة، فأما عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، فجلالته وفقهه وكثرة حديثه، وشدّة ورعه، وزهادته، وإكثاره من الصلاة والصيام وسائر العبادات، وغير ذلك من أنواع الخير، فمعروفة مشهورة، لا يمكن استقصاؤها، فرضي الله عنه.
وأما أبو الخير - بالخاء المعجمة - واسمه مَرْثَد - بالمثلثة - ابن عبد الله الْيَزَنِيّ - بفتح المثنّاة تحتُ، والزاي - منسوب الى يَزَن بطن من حمير، قال أبو سعيد بن يونس: كان أبو الخير مفتيَ أهل مصر في زمانه، مات سنة سبعين من الهجرة.
وأما يزيد بن أبي حبيب، فكنيته أبو رَجَاء، وهو تابعيّ، قال ابن يونس: وكان مفتي أهل مصر في زمانه، وكان حَلِيمًا عاقلًا، وكان أول من أظهر العلم بمصر، والكلامَ في الحلال والحرام، وقبل ذلك كانوا يتحدثون بالفتن والملاحم، والترغيب في الخير، وقال الليث بن سعد: يزيد سيِّدُنا وعالمنا، واسم أبي حبيب سُوَيد.
وأما الليث بن سعد - رضي الله عنه -، فإمامته وجلالته وصيانته وبراعته، وشهادة أهل عصره بسخائه وسيادته، وغير ذلك من جميل حالاته أشهر من أن تُذْكَر، وأكثر من أن تُحْصَر، ويَكفِي في جلالته شهادة الإمامين الجليلين: الشافعيّ، وابن بُكَير رحمهما الله تعالى أن الليث أفقه من مالك رضي الله عنهم أجمعين، فهذان صاحبا مالك - رَحِمَهُ اللهُ -، وقد شَهِدا بما شهدا، وهما بالمنزلة المعروفة من الإتقان، والورع، وإجلال مالك، ومعرفتهما بأحواله، هذا كلّهُ مع ما قد عُلِمَ من جلالة مالك، وعظم فقهه، - رضي الله عنه -.
قال محمد بن رُمْح: كان دَخْلُ الليث ثمانين ألف دينار، ما أوجب الله تعالى عليه زكاةً قط، وقال قتيبة: لَمّا قَدِمَ الليث أهدى له مالك من طُرَف المدينة، فبَعَثَ إليه الليث ألف دينار، وكان الليث مفتي أهل مصر في زمانه.