قال القاضي عياض ومن تبعه: ليس في الحديث حجةٌ؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- هَمّ ولم يفعل، زاد النووي: ولو كانت فرض عين لما تركهم.
وتعقبه ابن دقيق العيد، فقال: هذا ضعيف؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يهم إلَّا بما يجوز له فعله لو فعله، وأما الترك فلا يدل على عدم الوجوب؛ لاحتمال أن يكونوا انزجروا بذلك، وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه، على أنه قد جاء في بعض الطرق بيان سبب الترك، وهو فيما رواه أحمد من طريق سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- بلفظ:"لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت العشاء، وأمرت فتياني يحرقون. . . " الحديث.
(ومنها): -وهو سادسها-: أن المراد بالتهديد قوم تركوا الصلاة رأسًا، لا مجرد الجماعة. وهو متعقَّب بأن في رواية مسلم:"لا يشهدون الصلاة،. . . "، أي لا يحضرون.
وفي رواية عجلان عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عند أحمد:"لا يشهدون العشاء في الجميع"، أي في الجماعة.
وفي حديث أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنهما- عند ابن ماجه مرفوعًا:"لينتهين رجال عن تركهم الجماعات، أو لأحرقن بيوتهم".
(ومنها): -وهو سابعها-: أن الحديث ورد في الحثّ على مخالفة فعل أهل النفاق، والتحذير من التشبه بهم، لا لخصوص ترك الجماعة، فلا يتم الدليل، أشار إليه الزين ابن الْمُنَيِّر، وهو قريب من الوجه الرابع.
(ومنها): -وهو ثامنها-: أن الحديث ورد في حق المنافقين، فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه، فلا يتم الدليل.
وتُعُقِّب باستبعاد الاعتناء بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع العلم بأنه لا صلاة لهم، وبأنه كان مُعْرِضًا عنهم، وعن عقوبتهم مع علمه بطويّتهم، وقد قال:"لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه".
وتَعَقَّب ابن دقيق العيد هذا التعقب بأنه لا يتم إلَّا إذا ادُّعِي أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبًا عليه، ولا دليل على ذلك، فإذا ثبت أنه كان مخيّرًا، فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم. انتهى.