قال الحافظ: والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين؛ لقوله في صدر حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر. . . " الحديث، ولقوله:"لو يعلم أحدهم. . . إلخ"؛ لأن هذا الوصف لائق بالمنافقين، لا بالمؤمن الكامل، لكن المراد به نفاق المعصية، لا نفاق الكفر، بدليل قوله في رواية عجلان:"لا يشهدون العشاء في الجميع"، وقوله في حديث أسامة:"لا يشهدون الجماعة".
وأصرح من ذلك قوله في رواية يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عند أبي داود:"ثم آتي قومًا يصلون في بيوتهم، ليست بهم علة"، فهذا يدل على أن نفاقهم معصية، لا كفر؛ لأن الكافر لا يصلي في بيته، إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة، فإذا خلا في بيته كان كما وصفه اللَّه به من الكفر والاستهزاء، نَبَّه عليه القرطبيّ.
وأيضًا فقوله في رواية المقبريّ:"لولا ما في البيوت من النساء والذرية" يدل على أنهم لم يكونوا كفارًا؛ لأن تحريق بيت الكافر إذا تعيّن طريقًا إلى الغلبة عليه، لم يمنع ذلك وجود النساء والذرية في بيته، وعلى تقدير أن يكون المراد بالنفاق في الحديث نفاق الكفر، فلا يدل على عدم الوجوب؛ لأنه يتضمن أن ترك الجماعة من صفات المنافقين، وقد نهينا عن التشبه بهم، وسياق الحديث يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلف عنها.
قال الطيبيّ: خروج المؤمن من هذا الوعيد ليس من جهة أنهم إذا سمعوا النداء جاز لهم التخلف عن الجماعة، بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم، بل هو من صفات المنافقين، ويدل عليه قول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: "لقد رأيتنا، وما يتخلف عن الجماعة إلَّا منافق". رواه مسلم. انتهى كلامه.
وروى ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عمير بن أنس، حدثني عمومتي من الأنصار، قالوا: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما يشهدهما منافق" يعني العشاء والفجر.
ولا يقال: فهذا يدل على ما ذهب إليه صاحب هذا الوجه لانتفاء أن يكون المؤمن قد يتخلف، وإنما ورد الوعيد في حق من تخلف؛ لأني أقول: بل هذا يقوّي ما ظهر لي أولًا، أن المراد بالنفاق: نفاق المعصية، لا نفاق