"فأجب" فيَحْتَمِل أنه بوحي نزل في الحال، ويَحْتَمِل أنه تغير اجتهاده -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذا قلنا بالصحيح، وقولِ الأكثر: إنه يجوز له الاجتهاد، ويَحْتَمِل أنه رَخّص له أوّلًا، وأراد أنه لا يجب عليك الحضور، إما لعذر، وإما لأن فرض الكفاية حاصل بحضور غيره، وإما للأمرين، ثم ندبه إلى الأفضل، فقال: الأفضل لك، والأعظم لأجرك أن تجيب، وتحضر، فأجب. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: مسألة اختلاف في اجتهاد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قد حقّقتها في "التحفة المرضيّة"، و"شرحها" في الأصول، ورجّحت قول الجمهور بجوازه، فراجعه تستفد.
وأما قوله:"وأراد أنه لا يجب عليك الحضور. . . إلخ"، فغير صحيح؛ لأنه يردُّه ظاهر الأمر في قوله:"فأَجِبْ" مع الأدلة الأخرى الدالّة على وجوب صلاة الجماعة، وقد تقدّم بيانها، فتبصر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- هذا من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٤٤/ ١٤٨٧](٦٥٣)، و (النسائيّ) في "الإمامة"(٨٥٠) وفي "الكبرى"(٩٢٣)، و (البيهقيّ) في "الكبرى"(٣/ ٥٧ و ٦٦)، و (إسحاق ابن راهويه) في "مسنده"(٣١٣)، و (أبو عوانة) في "مسنده"(١٢٦١)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه"(١٤٥٩ و ١٤٦٠)، واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان وجوب المحافظة على الصلوات في المساجد.
٢ - (ومنها): أن العمى ليس عذرًا يسقط الجماعة، وإن لم يجد قائدًا، والظاهر أن هذا فيما إذا كان يَعرِف طريق المسجد، ولا يُخاف عليه من الهلاك.