قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ظاهره وجوب الجماعة؛ لا بمعنى أنها واجبة في الصلاة حتى تبطل بدونها، بل بمعنى أنها واجبة على المصلي، يأثم بتركها. انتهى.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفي هذا الحديث دلالة لمن قال: الجماعة فرض عين.
وأجاب الجمهور عنه بأنه سأل هل له رخصة أن يصلي في بيته، وتحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره؟ (١)، فقيل: لا.
ويؤيد هذا أن حضور الجماعة يسقط بالعذر بإجماع المسلمين، ودليله من السنة: حديث عتبان بن مالك -رضي اللَّه عنه- الآتي بعد ثلاثة أبواب.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: قول من قال: إنها فرض عين لمن لا عذر له، هو الحقّ، كما أسلفنا تحقيقه، وأما تأويل الجمهور المذكور فبعيدٌ، وتأييده بحديث عتبان -رضي اللَّه عنه- المذكور ليس كما ينبغي؛ إذ حديثه نصّ في تحقّق عذره، فقد ثبت أنه قال للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا رسول اللَّه؛ إن السيول لتحول بيني وبين مسجد قومي"، فهذا عذر قائم، وأما الأعمى المذكور فعذره هو العَمَى، ومعلوم أن كثيرًا من العميان لا يَشُقّ عليهم المشي إلى المساجد، كما هو مشاهد، وهذا الأعمى منهم، بدليل أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يرخص له، مع كونه رَخَّصَ لكثير من أصحاب الأعذار، كعتبان، وكمن حضر لديه طعام، وكمن يدافعه الأخبثان، وفي حالة وجود الأمطار، كما ثبت كلُّ ذلك في "الصحيحين"، وغيرهما.
والحاصل أن حديث الباب دليلٌ واضحٌ على فرضية الجماعة لمن لا عذر له، وأن مجرد العمى ليس عذرًا يُسْقِط الجماعة، واللَّه تعالى أعلم.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أيضًا: وأما ترخيص النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- له، ثم ردُّه، وقوله:
(١) تُعُقّب تأويل الجمهور هذا بأنه ضعيف؛ لما ثبت أن المعذور لا ينقص أجره عما يفعله لولا العذر، كما دلّ عليه حديث أبي موسى الأشعريّ -رضي اللَّه عنه- في "الصحيح" مرفوعًا: "إذا مَرِضَ العبدُ أو سافر، كُتِب له مثلُ ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا"، واللَّه تعالى أعلم.