للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه (قَالَ: مَنْ سَرَّهُ) "من" شرطية، و"سره" بمعنى أفرحه، يقال: سَرّه، يَسُرّه سُرورًا -بالضم-، والاسم السَّرُور بالفتح: إذا أفرحه، قاله الفيوميّ (أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا) أي يوم القيامة (مُسْلِمًا) أراد به كمال الإسلام المتضمِّن لانقياد الباطن والظاهر، لا مجرد الاستسلام الظاهريّ، فهو بمعنى قوله تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} الآية [آل عمران: ١٩]، وجواب الشرط قوله: (فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ) أي فليؤدّها مستوفيةَ الشروط، والأركان، والآداب (حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ) أي في المكان الذي يؤذَّن فيه لهنّ، وهو المسجد، وأراد به أداءهنّ مع الجماعة (فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ -صلى اللَّه عليه وسلم-) وللنسائيّ: "فإن اللَّه عزَّ وجلَّ شَرَع لنبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (سُنَنَ الْهُدَى) رُوي بضم السين وفتحها، وهما بمعنى متقارب، أي طرائق الهدى والصوابِ، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

و"الْهُدَى" -بضمّ الهاء، وفتح الدال، مقصورًا: الرَّشَادُ والدلالة، قاله في "القاموس" (١)، وقال "المصباح": الْهُدَى: البيان. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: لم يرد بالسنن السنن المتعارفة في عرف الفقهاء التي هي قسيم الواجب وغيره من أقسام الأحكام الخمسة، بل أراد ما يشمل جميع ما أتى به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أمور الدين، فيدخل فيه الواجب، والمستحبّ، وغيرهما، فلا يُستدلّ بقوله: "وإنهنّ من سُنن الهدى" على عدم صلاة الجماعة، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.

(وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى) أي الصلواتُ الخمسُ من جملة طُرُق الهدى التي أوجب اللَّه تعالى سلوكها، دون ما سواها من الطرائق، قال اللَّه تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} الآية [الأنعام: ١٥٣]، فينبغي أداؤهنّ على الوجه المطلوب.

والإضافة في: "سنن الهدى" للبيان، أي سنن هي الهدى.

(وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ) أي ولو بالجماعة.

وفي رواية النسائيّ: "وإني لا أحسب منكم أحدًا إلا له مسجد يُصلّي فيه في بيته، فلو صلّيتم في بيوتكم، وتركتم مساجدكم لتركتم سنّة نبيّكم".


(١) "القاموس المحيط" ٤/ ٤٠٣.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٦٣٦.