للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأراد بالمسجد الموضع الذي يصلي فيه الرجل التطوع، حيث إنه مأمور بالتطوع في بيته، فقد أخرج الشيخان، عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورًا".

وعن زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه-: أن النبيّ اتخذ حُجْرة في المسجد من حصير، فصلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها ليالي، وفيه: "فصلّوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة"، متّفقٌ عليه.

ومعنى قوله: "ولو أنكم صلّيتم في بيوتكم": أي لو أديتم الصلوات المكتوبات في مساجد بيوتكم (كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ) أي المتأخّر (فِي بَيْتِهِ) تاركًا الصلاةَ جماعةً في المساجد العامّة.

قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في تعبيره باسم الإشارة إشارة إلى تحقيره، وتبعيده عن مظانّ الزُّلْفَى، كما أن اسم الإشارة في قوله: "هذه المساجد" مُلَوِّحٌ إلى تعظيمها، وبُعد مرتبتها في الرفعة. انتهى (١).

(لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ) -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث إنه كان يصلي المكتوبات في المساجد بأصحابه جماعةً، ولا يصليها في بيته، إلا من عذر (وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (لَضَلَلْتُمْ) قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ضَلّ الرجل الطريقَ، وضلّ عنه يَضِلّ، من باب ضرب ضلالًا، وضلالةً: زَلَّ عنه، فلم يَهتد إليه، فهو ضالٌّ، هذه لغة نجد، وهي الفُصحَى، وبها جاء القرآن في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} [سبأ: ٥٠] الآية، وفي لغة لأهل العالية من باب تَعِبَ. انتهى (٢).

قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "لضللتم" يدلّ على أن المراد بالسنّة العزيمة. انتهى.

وفي رواية أبي داود: "لكفرتم"، قال الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه أنه يؤدي بكم إلى الكفر بأن تتركوا عُرَى الإسلام شيئًا، فشيئًا، حتى تخرجوا من الملة. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا دليل واضح في كون صلاة الجماعة فرضًا على الأعيان، وأما تأويله بأنه محمول على التغليظ والتهديد في ترك صلاة


(١) "الكاشف" ٣/ ١١٣٦.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٣٦٣.