للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وروى الإمام مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الموطّأ" عن نعيم بن عبد اللَّه المجمر، أنه سمع أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- يقول: "إذا صلى أحدكم، ثم جلس في مصلاه، لم تزل الملائكة تصلي عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فإن قام من مصلاه، فجلس في المسجد ينتظر الصلاة، لم يزل في صلاة حتى يصلي".

قال الباجيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المنتظر في غير مصلاه من المسجد يكون في صلاة، كالمنتظر في مصلاه، غير أن المنتظر في مصلاه يحصُل له أنه في صلاة، وصلاة الملائكة عليه، بخلاف المنتظر في غير مصلاه (١). انتهى.

وروى الحاكم في "مستدركه" من حديث داود بن صالح، قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي هل تدري في أيّ شيء نزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)} [آل عمران: ٢٠٠]؟، قيل: لا، قال: إنه لم يكن في زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غزو يُرابط فيه، ولكن انتظار الصلاة. انتهى (٢).

(يَقُولُونَ) جملة في محلّ نصب على الحال من الفاعل، أي حال كونهم قائلين (اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللُّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ) أي وفّقه للتوبة، وتقبّلها منه، أو ثبّته عليها.

قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: طلبت له الرحمة من عند اللَّه تعالى بعد طلب الغفران؛ لأن صلاة الملائكة على العباد استغفار لهم.

(مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ) "ما" مصدريّة ظرفيّة أيضًا، أي مدّة عدم إيذائه في ذلك المجلس.

قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "ما لم يؤذ": أي ما لم يؤذ أحدًا من المسلمين بلسانه ويده، فإنه كالحدث المعنويّ، ومن ثمّ أتبعه بالحديث الظاهريّ. انتهى.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "ما لم يؤذ فيه" أي ما لم يصدُر عنه ما يتأذَّى به بنو آدم والملائكة، قال: ويَحْتَمِل أن يكون قوله: "ما لم يُحدث فيه" بدلًا


(١) "المنتقى" ١/ ٢٨٣.
(٢) "المستدرك" ٢/ ٣٠١ وصححه الحاكم، ووافقه الذهبيّ.