للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، كانَ فِي الصَّلَاةِ) أي في ثوابها، فكأنه يصلّي بالفعل، وإن لم يدخل فيها، فله أجر المصلين، وليس المراد أنه في حكم الصلاة، حتى يمتنع عليه الكلام ونحوه (١). (مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ) "ما" مصدريّة ظرفيّة، أي مدّة كون الصلاة، وقوله: (هِيَ) ضمير الفصل جيء به للتوكيد، وقوله: (تَحْبِسُهُ) خبر "كانت"، وهو بفتح أوله، وكسر ثالثه، من باب ضرب، أي تمنعه عن الخروج من المسجد، والتصرّف في أشغاله الدنيويّة.

وقال في "المرعاة": "أي مدّة كون الصلاة حابسةً له، بأن كان جالسًا لانتظار الصلاة، أما جلوسه بعد الصلاة لذكر، أو اعتكاف مثلًا، فلا يترتّب عليه خصوص هذا الثواب، وإن كان فيه ثوابٌ عظيمٌ". انتهى (٢).

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفي قوله: "ما كانت الصلاة تحبسه" إشارة إلى النفس اللوّامة التي تنهي استيفاء لذّاتها، واشتغالها بخلع العذار، والصلاة تنهاها عن هواها، وتَحبسها في بيت اللَّه تعالى، كما كانت آمرةً بالمعروف في قوله: "لا يُخرجه إلا الصلاة"، فإذا لزم مصلّاه، وانتظر الصلاة الأخرى اطمأنّت، وقيل لها: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) فإذا طلبت الملائكة الغفران والرحمة لها قيل لها: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)} [الفجر: ٢٧ - ٣٠]. انتهى (٣).

(وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ) أي تدعو له بالخير، وتستغفر له من ذنوبه، وتطلب له الرحمة (عَلَى أَحَدِكُمْ) وفي رواية البخاريّ: "فإذا صلّى لن تزال الملائكة تصلّي عليه ما دام في مصلّاه"، قال ابن أبي جمرة -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "فإذا صلى": أي صلى صلاةً تامّةً؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال للمسيء صلاته: "ارجع، فصلّ، فإنك لم تصلِّ" (مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ) أي في مكانه الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد، وكأنه خرج مخرج الغالب، وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد، مستمرًّا على نية انتظار الصلاة كان كذلك، قاله في "الفتح" (٤).


(١) راجع: "الفتح" ١/ ٣٣٩.
(٢) "المرعاة" ٢/ ٤١٠.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ٣/ ٩٣٤ - ٩٣٥.
(٤) "الفتح" ٢/ ١٥٩.