للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[والثالث]: أن تدل على ترتيب موصوفاتها في ذلك، نحو رَحِمَ اللَّه المحلقين، فالمقصرين.

وقيل: تقع الفاء تارة بمعنى "ثُمّ"، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} الآية [المؤمنون: ١٤]، فالفاآت فيها بمعنى "ثُمَّ" لتراخي معطوفاتها، فعلى هذا يجوز أن تكون الفاء ههنا بمعنى "ثُمّ"، بمعنى أبعدهم، ثم أبعدهم. انتهى (١).

(وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنِ الَّذِي يُصَلِّيهَا) أعمّ من أن يكون مع جماعةٍ، أو وحده، ويُستفاد منه أن الجماعة تتفاوت كما تقدّم بيان ذلك، وقوله: (ثُمَّ يَنَامُ") فائدة ذكره الإشارة إلى الاستراحة المقابلة للمشقّة التي في ضمن الانتظار، قاله الكرمانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

(وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ) محمد بن العلاء شيخه الثاني ("حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ فِي جَمَاعَةٍ") يعني أنه زاد قوله: "في جماعة"، وهو من باب التوضيح، وإلا فقوله في رواية عبد اللَّه بن بَرّاد: "حتى يصلّيها مع الإمام" يؤدّي هذا المعنى؛ لأن معنى الصلاة مع الإمام هو الصلاة جماعةً.

قال الكرمانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

[فإن قلت]: هذا التفضيل أمرٌ ظاهرٌ ضروريّ، فما الفائدة في ذكره؟.

[قلت]: معناه أن الذي ينتظرها حتى يصليها مع الإمام آخر الوقت، أعظم أجرًا من الذي يصليها في وقت الاختيار وحده، أو الذي ينتظرها حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا من الذي يصليها أيضًا مع الإمام بدون انتظار، أي كما أنّ بُعد المكان مُؤَثِّرٌ في زيادة الأجر، كذلك طول الزمان؛ لأنهما يتضمنان لزيادة المشقة الواقعة مقدَّمةً للجماعة.

قال العينيّ في "العمدة": قد عُلِم أن السبب في تحصيل هذا الأجر العظيم انتظار الصلاة، وإقامتها مع الإمام، فإن وُجِد أحدهما دون الآخر، فلا يحصل له ذلك، ويُعْلَم من هذا أيضًا أن تأخير الصلاة عن وقت الاختيار، لا يخلو عن أجر، كما في تأخير الظهر إلى أن يبرد الوقت عند اشتداد الحرّ،


(١) "عمدة القاري" ٥/ ٢٤٨.
(٢) راجع: "عمدة القاري" ٥/ ٢٤٩.